في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَيۡمَٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (30)

17

وبعد هذا التعقيب المعترض في صلب القصة لكشف تلك الحقيقة الضخمة ، يمضي السياق يعرض نعمة الله على داود في عقبه وولده سليمان ؛ وما وهبه الله من ألوان الإنعام والإفضال . كما يعرض فتنته وابتلاءه ورعاية الله له ، وإغداقه عليه بعد الفتنة والابتلاء :

( ووهبنا لداود سليمان . نعم العبد . إنه أواب . إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد . فقال : إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب . ردوها عليّ . فطفق مسحاً بالسوق والأعناق . ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب . قال : رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ، إنك أنت الوهاب . فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب . والشياطين كل بناء وغواص . وآخرين مقرنين في الأصفاد . هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب . وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) . .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَيۡمَٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (30)

ولما كان الإنسان وإن أطال التدبر وأقبل بكليته على التذكر لا بد له من نسيان وغفلة وذهول ، ولما كان الممدوح إنما هو الرجاع " لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " وكان الله تعالى هو الملك الذي لا شريك له والمالك الذي له الملك كله فهو يرفع من يشاء ممن لا يخطر في وهم أن يرتفع ، ويخفض من يشاء ممن علا في الملك حتى لا يقع في خاطر أنه يحصل له خلل ولا سيما إن كان على أعلى خلال الطاعة ليبين لكل ذي لب أن الفاعل لذلك هو الفاعل المختار ، فلا يزال خيره مرجواً ، وانتقامه مرهوباً مخشياً ، قال تعالى : { ووهبنا } أي بما لنا من الحكمة والعظمة { لدواد سليمان } فجاء عديم النظير في ذلك الزمان ديناً ودنياً وعلماً وحكمة وحلماً وعظمة ورحمة ، ولذلك نبه على أمثال هذه المعاني باستئناف الإخبار عما حرك النفس إلى السؤال عنها من إسناد الهبة إلى نون العظمة فقال : { نعم العبد } ولما كان السياق لسرعة الانتباه من الغفلات ، والتفصي من الهفوات ، والتوبة من الزلات ، وبيان أن الابتلاء ليس منحصراً في العقوبات ، بل قد يكون لرفعة الدرجات ، وكان هذا بعيداً من العادات ، علل مدحه مؤكداً له بقوله : { إنه أواب * } أي رجاع إلى الازدياد من الاجتهاد في المبالغة في الشكر والصبر على الضر كلما علا من مقام بالاستغفار منه وعده مع ما له من الكمال مما يرغب عنه .