مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَيۡمَٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (30)

قوله تعالى : { ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ، إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ، ردوها على فطفق مسحا بالسوق والأعناق }

واعلم أن هذا هو القصة الثانية وقوله : { نعم العبد } فيه مباحث :

الأول : نقول المخصوص بالمدح في { نعم العبد } محذوف ، فقيل هو سليمان ، وقيل داود ، والأول أولى لأنه أقرب المذكورين ، ولأنه قال بعده { إنه أواب } ولا يجوز أن يكون المراد هو داود ، لأن وصفه بهذا المعنى قد تقدم في الآية المتقدمة حيث قال : { واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب } فلو قلنا لفظ الأواب ههنا أيضا صفة داود لزم التكرار ، ولو قلنا إنه صفة لسليمان لزم كون الابن شبيها لأبيه في صفات الكمال في الفضيلة ، فكان هذا أولى .

الثاني : أنه قال أولا { نعم العبد } ثم قال بعده { إنه أواب } وهذه الكلمة للتعليل ، فهذا يدل على أنه إنما كان { نعم العبد } لأنه كان أوابا ، فيلزم أن كل من كان كثير الرجوع إلى الله تعالى في أكثر الأوقات وفي أكثر المهمات كان موصوفا بأنه { نعم العبد } وهذا هو الحق الذي لا شبهة فيه ، لأن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به ، ورأس المعارف ورئيسها معرفة الله تعالى ، ورأس الطاعات ورئيسها الاعتراف بأنه لا يتم شيء من الخيرات إلا بإعانة الله تعالى ، ومن كان كذلك كان كثير الرجوع إلى الله تعالى فكان أوابا ، فثبت أن كل من كان أوابا وجب أن يكون { نعم العبد } .