في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُنَالِكَ ٱبۡتُلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُواْ زِلۡزَالٗا شَدِيدٗا} (11)

9

ثم تزيد سمات الموقف بروزا ، وتزيد خصائص الهول فيه وضوحا : ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) . . والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولا مروعا رعيبا .

قال محمد بن مسلمة وغيره : كان ليلنا بالخندق نهارا ؛ وكان المشركون يتناوبون بينهم ، فيغدو أبو سفيان ابن حرب في اصحابه يوما ، ويغدو خالد بن الوليد يوما ، ويغدو عمرو بن العاص يوما ، ويغدو هبيرة ابن أبي وهب يوما ، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما . ويغدو ضرار بن الخطاب يوما . حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفا شديدا .

ويصور حال المسلمين ما رواه المقريزي في إمتاع الأسماع . قال :

ثم وافى المشركون سحرا ، وعبأ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أصحابه فقاتلوا يومهم إلى هوي من الليل ، وما يقدر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من موضعهم . وما قدر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء " فجعل أصحابه يقولون : يا رسول الله ما صلينا ! فيقول . ولا أنا والله ما صليت ! حتى كشف الله المشركين ، ورجع كل من الفريقين إلى منزله ، وقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق ، فكرت خيل للمشركين يطلبون غرة - وعليها خالد بن الوليد - فناوشهم ساعة ، فزرق وحشى الطفيل بن النعمان بن خنساء الأنصاري السلمي بمزراق ، فقتله كما قتل حمزة - رضي الله عنه - بأحد . وقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يومئذ : " شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى صلاة العصر . ملأ الله أجوافهم وقلوبهم نارا " . .

وخرجت طليعتان للمسلمين ليلا فالتقتا - ولا يشعر بعضهم ببعض ، ولا يظنون إلا أنهم العدو . فكانت بينهم جراحة وقتل . ثم نادوا بشعار الإسلام ! ( حم . لا ينصرون )فكف بعضهم عن بعض . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد " . .

ولقد كان أشد الكرب على المسلمين ، وهم محصورون بالمشركين داخل الخندق ، ذلك الذي كان يجيئهم من انتقاض بني قريظة عليهم من خلفهم . فلم يكونوا يأمنون في أية لحظة أن ينقض عليهم المشركون من الخندق ، وأن تميل عليهم يهود ، وهم قلة بين هذه الجموع ، التي جاءت بنية استئصالهم في معركة حاسمة أخيرة .

ذلك كله إلى ما كان من كيد المنافقين والمرجفين في المدينة وبين الصفوف :

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{هُنَالِكَ ٱبۡتُلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُواْ زِلۡزَالٗا شَدِيدٗا} (11)

شرح الكلمات :

{ هنالك ابتلي المؤمنون } : أي ثم في الخندق وساحة المعركة أُختبر المؤمنون .

{ وزلزلوا زلزالا شديدا } : أي حركوا حراكا قويا من شدة الفزع .

المعنى :

وقوله تعالى { هنالك } أي في ذلك المكان والزمان الذي حدّق العدو بكم { اُبتلي المؤمنون } أي اختبرهم ربهم ليرى الثابت على إيمانه الذي لا تزعزعه الشدائد والفتن من السريع الانهزام والتحول لضعف عقيدته وقلة عزمه وصبره . وقوله تعالى { وزلزلوا زلزالاً شديدا } أي أُزعجوا وحرّكوا حراكاً شديداً لعوامل قوة العدو وكثرة جنوده ، وضعف المؤمنين وقلة عددهم ، وعامل المجاعة والحصار ، والبرد الشديد وما أظهره المنافقون من تخاذل وما كشفت عنه الحال من نقض بني قريظة عهدهم وانضمامهم إلى الأحزاب .