في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

ثم يأخذ السياق في التهكم بهم وبإعراضهم عن دلائل الهدى في الدنيا . وهم في ذلك المشهد أسمع الناس وأبصر الناس :

( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ، لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ) . .

فما أعجب حالهم ! . . لا يسمعون ولا يبصرون حين يكون السمع والبصر وسيلة للهدى والنجاة . وهم أسمع شيء وأبصر شيء يوم يكون السمع والبصر وسيلة للخزي ولإسماعهم ما يكرهون وتبصيرهم ما يتقون في مشهد يوم عظيم !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار [ يوم القيامة ]{[18841]} أنهم أسْمَعُ شيء وأبْصَرُه كما قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] أي : يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي{[18842]} عنهم شيئًا ، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب ، لكان نافعًا لهم ومنقذًا من عذاب الله ، ولهذا قال : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ }{[18843]} أي : ما أسمعهم وأبصرهم { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } يعني : يوم القيامة { لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ } أي : في الدنيا { فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } أي : لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون ، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون ، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك .


[18841]:زيادة من ف، أ.
[18842]:في ت: "يجزي".
[18843]:في أ: "به".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

{ أسمع بهم وأبصر } تعجب معناه أن استماعهم وإبصارهم . { يوم يأتوننا } أي يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما عميا في الدنيا ، أو التهديد بما سيسمعون ويبصرون يومئذ . وقيل أمر بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك وما يحيق بهم فيه ، والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع وعلى الثاني في موضع النصب { لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } أوقع الظالمون موقع الضمير إشعارا بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم ، وسجل بأنه ضلال بين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

{ أسمع بهم وأبصر } صيغتا تعجب ، وهو تعجب على لسان الرسول والمؤمنين ، أو هو مستعمل في التعجيب ، والمعنيان متقاربان ، وهو مستعمل كناية أيضاً عن تهديدهم ، فتعيّن أن التعجيب من بلوغ حالهم في السوء مبلغاً يتعجب من طاقتهم على مشاهدة مناظره وسماع مكارهه . والمعنى ؛ ما أسمعهم وما أبصرهم في ذلك اليوم ، أي ما أقدرهم على السمع والبَصَر بما يكرهونه . وقريب هو من معنى قوله تعالى : { فما أصبرهم على النار } [ البقرة : 175 ] .

وجُوز أن يكون { أسمع بهم وأبصر } غير مستعمل في التعجب بل صادفَ أن جاء على صورة فعل التعجب ، وإنما هو على أصل وضعه أمر للمخاطب غير المعيّن بأن يَسمع ويُبصر بسببهم ، ومعمول السمع والبصر محذوف لقصد التعميم ليشمل كل ما يصح أن يُسمع وأن يُبصر . وهذا كناية عن التهديد .

وضمير الغائبين عائد إلى ( الذين كفروا ) ، أي أعجب بحالهم يومئذ من نصارى وعبدة الأصنام .

والاستدراك الذي أفاده قوله { لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } راجع إلى ما يفيده التقييد بالظرف في قوله { يوم يأتوننا } من ترقب سوء حالهم يوم القيامة الذي يقتضي الظن بأنهم الآن في سعة من الحال . فأفيد أنهم متلبسون بالضلال المبين وهو من سوء الحال لهم لما يتبعه من اضطراب الرأي والتباس الحال على صاحبه . وتلك نكتة التقييد بالظرف في قوله { اليوم في ضلال مبين } .

والتعبير عنهم ب { الظالمون } إظهار في مقام الإضمار . ونكتته التخلص إلى خصوص المشركين لأن اصطلاح القرآن إطلاق الظالمين على عبدة الأصنام وإطلاق الظلم على عبادة الأصنام ، قال تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .