غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (38)

16

{ أسمع بهم وأبصر } صيغتان للتعجب والمراد أن هاتين الحاستين منهم جديران بتعجب منهما في ذلك اليوم بعد ما كانوا صماً وعمياً في الدنيا ، وذلك لكشف الغطاء ولحاق العيان بالخبر . والتعجب استعظام الشيء بسبب عظمه ، ثم جوز استعمال لفظ التعجب عند مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب أو من غير سبب . قال سفيان : قرأت عند شريح { بل عجبت ويسخرون } [ الصافات : 12 ] فقال : إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم . فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال : إن شريحاً شاعر يعجبه علمه وعبد الله أعلم بذلك منه . والمعنى أنه صدر من الله فعل لو صدر مثله عن الخلق لدل على حصول التعجب في قلوبهم . وقيل : معنى الآية التهدد بما سيسمعون وسيبصرون مما يسوءهم . وقيل : أراد أسمع بهؤلاء وأبصر أي عرفهم مآل القوم الذين يأتوننا ليعتبروا وينزجروا عن الإتيان بمثل فعلهم . وقال الجبائي أن يراد أسمع الناس بهؤلاء وأبصرهم ليعتبروا بسوء عاقبتهم والوجه هو الأول يؤيده قوله : { لكن الظالمون } أي لكنهم فوضع المظهر موضع المضمر . { اليوم } وهو يوم التكليف { في ضلال مبين } حيث أغفلوا النظر والاستماع وتركوا الجد والاجتهاد في تحصيل الزاد للمعاد وهو : { يوم الحسرة } .

/خ40

16

ثم قرر بقوله :{ إنا نحن نرث } أن أمور الدنيا كلها تزول وأن الخلق كلهم يرجعون إلى حيث لا يملك الحكم إلا الله وفيه من التخويف والإنذار ما فيه .

التأويل : { واذكر في الكتاب } الأزلي { مريم } القلب { إذا انتبذت من أهلها } تفردت من أهل الدنيا متوجهاً إلى جانب شروق النور الإلهي { فاتخذت من دونهم } حجاب الخلوة والعزلة { فأرسلنا إليها روحنا } وهو نور الإلهام الرباني والخاطر الرحماني كقوله :

{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى :52 ] { فتمثل لها بشراً سوياً } كما تمثل روح التوحيد بحروف " لا إله إلا الله " لانتفاع الخلق به . و{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك } ظناً منها أنه يشغلها عن الله . { قال إنما أنا رسول } الوارد الرباني { لأهب لك غلاماً زكياً } طاهراً عن لوث الظلمة الأنسية وهو النفس المطمئنة القدسية . { ولم يمسسني بشر } خاطر من عالم البشرية { ولم أك بغياً } أطلب غير ما خلقت لأجله وهو التوجه إلى عالم الروح المجرد { فحملته } بالقوة القريبة من الفعل { فانتبذت به مكاناً قصياً } لافتقاره إلى العبور على منازل الشريعة والطريقة { فأجاءها } مخاض الطلب والتعب { إلى جذع النخلة } وهي كلمة " لا إله إلا الله " التي كان أصلها ثابتاً في أرض نفسها { قالت يا ليتني مت قبل هذا } قال بعض أهل التحقيق : هذه كلمة يذكرها الصالحون عند اشتداد الأمر عليهم . قال عليّ عليه السلام يوم الجمل : يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . وعن بلال : ليت بلالاً لم تلده أمه . وقيل : إن مريم قالت ذلك لعلمها بأن الله تعالى يدخل النار خلقاً كثيراً بس