{ أسمع بهم وأبصر } صيغتان للتعجب والمراد أن هاتين الحاستين منهم جديران بتعجب منهما في ذلك اليوم بعد ما كانوا صماً وعمياً في الدنيا ، وذلك لكشف الغطاء ولحاق العيان بالخبر . والتعجب استعظام الشيء بسبب عظمه ، ثم جوز استعمال لفظ التعجب عند مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب أو من غير سبب . قال سفيان : قرأت عند شريح { بل عجبت ويسخرون } [ الصافات : 12 ] فقال : إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم . فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال : إن شريحاً شاعر يعجبه علمه وعبد الله أعلم بذلك منه . والمعنى أنه صدر من الله فعل لو صدر مثله عن الخلق لدل على حصول التعجب في قلوبهم . وقيل : معنى الآية التهدد بما سيسمعون وسيبصرون مما يسوءهم . وقيل : أراد أسمع بهؤلاء وأبصر أي عرفهم مآل القوم الذين يأتوننا ليعتبروا وينزجروا عن الإتيان بمثل فعلهم . وقال الجبائي أن يراد أسمع الناس بهؤلاء وأبصرهم ليعتبروا بسوء عاقبتهم والوجه هو الأول يؤيده قوله : { لكن الظالمون } أي لكنهم فوضع المظهر موضع المضمر . { اليوم } وهو يوم التكليف { في ضلال مبين } حيث أغفلوا النظر والاستماع وتركوا الجد والاجتهاد في تحصيل الزاد للمعاد وهو : { يوم الحسرة } .
ثم قرر بقوله :{ إنا نحن نرث } أن أمور الدنيا كلها تزول وأن الخلق كلهم يرجعون إلى حيث لا يملك الحكم إلا الله وفيه من التخويف والإنذار ما فيه .
التأويل : { واذكر في الكتاب } الأزلي { مريم } القلب { إذا انتبذت من أهلها } تفردت من أهل الدنيا متوجهاً إلى جانب شروق النور الإلهي { فاتخذت من دونهم } حجاب الخلوة والعزلة { فأرسلنا إليها روحنا } وهو نور الإلهام الرباني والخاطر الرحماني كقوله :
{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى :52 ] { فتمثل لها بشراً سوياً } كما تمثل روح التوحيد بحروف " لا إله إلا الله " لانتفاع الخلق به . و{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك } ظناً منها أنه يشغلها عن الله . { قال إنما أنا رسول } الوارد الرباني { لأهب لك غلاماً زكياً } طاهراً عن لوث الظلمة الأنسية وهو النفس المطمئنة القدسية . { ولم يمسسني بشر } خاطر من عالم البشرية { ولم أك بغياً } أطلب غير ما خلقت لأجله وهو التوجه إلى عالم الروح المجرد { فحملته } بالقوة القريبة من الفعل { فانتبذت به مكاناً قصياً } لافتقاره إلى العبور على منازل الشريعة والطريقة { فأجاءها } مخاض الطلب والتعب { إلى جذع النخلة } وهي كلمة " لا إله إلا الله " التي كان أصلها ثابتاً في أرض نفسها { قالت يا ليتني مت قبل هذا } قال بعض أهل التحقيق : هذه كلمة يذكرها الصالحون عند اشتداد الأمر عليهم . قال عليّ عليه السلام يوم الجمل : يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . وعن بلال : ليت بلالاً لم تلده أمه . وقيل : إن مريم قالت ذلك لعلمها بأن الله تعالى يدخل النار خلقاً كثيراً بس
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.