في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (35)

الآن بعد تلك الوقفة الطويلة للتعقيب على قصة النشأة الأولى ؛ ومواجهة واقع الجاهلية العربية - وواقع الجاهلية البشرية كلها من ورائها - في شأن ستر الجسم باللباس وستر الروح بالتقوى ؛ وعلاقة القضية كلها بقضية العقيدة الكبرى . .

الآن يبدأ نداء جديد لبني آدم . . نداء بشأن القضية الكلية التي ربطت بها قضية اللباس في الوقفة السابقة . . قضية التلقي والاتباع في شعائر الدين وفي شرائعه ، وفي أمر الحياة كلها وأوضاعها . وذلك لتحديد الجهة التي يتلقون منها . . إنها جهة الرسل المبلغين عن ربهم . وعلى أساس الاستجابة أو عدم الاستجابة للرسل يكون الحساب والجزاء ، في نهاية الرحلة التي يعرضها السياق في هذه الجولة :

( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ، فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .

هذا هو عهد الله لآدم وبنيه ، وهذا هو شرطه في الخلافة عنه - سبحانه - في أرضه التي خلقها وقدر فيها أقواتها ، واستخلف فيها هذا الجنس ، ومكنه فيها ، ليؤدي دوره وفق هذا الشرط وذلك العهد ؛ وإلا فإن عمله رد في الدنيا لا يقبله ولا يمضيه مسلم لله ؛ وهو في الآخرة وزر جزاؤه جهنم لا يقبل الله من أصحابه صرفاً ولا عدلاً .

( فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .

لأن التقوى تنأى بهم عن الآثام والفواحش - وأفحش الفواحش الشرك بالله واغتصاب سلطانه وادعاء خصائص ألوهيته - وتقودهم إلى الطيبات والطاعات ؛ وتنتهي بهم إلى الأمن من الخوف والرضى عن المصير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (35)

ثم أنذر تعالى بني آدم بأنه سيبعث إليهم رسلا يقصون عليهم آياته ، وبَشر وحذر فقال : { فَمَن اتَّقَى وَأَصْلَحَ } أي : ترك المحرمات وفعل الطاعات { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (35)

{ يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي } شرط ذكره بحرف الشك للتنبيه على أن إتيان الرسل أمر جائز غير واجب كما ظنه أهل التعليم ، وضمت إليها ما لتأكيد معنى الشرط ولذلك أكد فعلها بالنون وجوابه : { فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (35)

وقوله تعالى : { يا بني آدم } الآية ، الخطاب في هذه الآية لجميع العالم . و «إن » الشرطية دخلت عليها «ما » مؤكدة . ولذلك جاز دخول النون الثقيلة على الفعل ، وإذا لم تكن «ما » لم يجز دخول النون الثقيلة . وقرأ أبي كعب والأعرج «تأتينكم » على لفظ الرسل . «وجاء يقصون » على المعنى .

وكأنه هذا الخطاب لجميع الأمم قديمها وحديثها هو متمكن لهم ومتحصل منه لحاضري محمد عليه السلام أن هذا حكم الله في العالم منذ أنشأه . و { يأتينكم } مستقبل وضع موضع ماض ليفهم أن الإتيان باق وقت الخطاب لتقوى الإشارة بصحة النبوة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا على مراعاة وقت نزول الآية ، وأسند الطبري إلى أبي سيار السلمي قال إن الله تعالى جعل آدم وذريته في كفه فقال { يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم } الآية ، قال ثم نظر إلى الرسل فقال { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } ثم بثهم .

قال القاضي أبو محمد : ولا محالة أن هذه المخاطبة في الأزل وقيل المراد بالرسل محمد عليه السلام .

قال القاضي أبو محمد : من حيث لا نبي بعده ، فكأن المخاطبين هم المراد ببني آدم لا غير ، إذ غيرهم لم ينله الخطاب ، ذكره النقاش . و { يقصون } معناه يسردون ويوردون . و «الآيات » لفظ جامع لآيات الكتب المنزلة وللعلامات التي تقترن بالأنبياء ، وقوله : { فمن اتقى وأصلح } يصح أن تكون «من » شرطية وجوابه { فلا خوف عليهم } وهذه الجملة هي في جواب الشرط الأول الذي هو { إما يأتينكم } ويصح أن تكون «من » في قوله { فمن اتقى } موصولة ، وكأنه قصد بالكلام تقسيم الناس فجعل القسم الأول { فمن اتقى } والقسم الثاني { والذين كذبوا بآياتنا } . وجاء هذا التقسيم بجملته جواباً للشرط في قوله { إما يأتينكم } فكأنه قال إن أتتكم رسل فالمتقون لا خوف عليهم ، والمكذبون أصحاب النار ، أي هذا هو الثمرة وفائدة الرسالة : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً } [ الأنعام : 144 ، الأعراف : 37 ، يونس : 17 ، الكهف : 15 ] أي ليس ثم نفع للمفتري ولا غرض دنياوي . فالآية تبرية للنبي صلى الله عليه وسلم ، من الافتراء وتوبيخ للمفترين من الكفار . و { لا } في قوله { لا خوف } بمعنى ليس ، وقرأ ابن محيصن «لا خوف » دون تنوين ، ووجهه إما أن يحذف التنوين لكثرة الاستعمال وإما حملاً على حذفه مع «لا » وهي تبرية ناصبة تشبه حالة الرفع في البناء بحالة النصب ، وقيل : إن المراد فلا الخوف ، ثم حذفت الألف واللام وبقيت الفاء على حالها لتدل على المحذوف ، ونفي الخوف والحزن يعم جميع أنواع مكاره النفس وأنكادها ، ويشبه أن يكون الخوف لما يستقبل من الأمور والحزن لما مضى منها .