اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (35)

لمَّا بيَّن أحوال التَّكاليف ، وأنَّ لكلِّ أمَّةٍ أجلاً معيناً - بيَّن أنَّهم بعد الموت إن كانوا مطيعين فلا خَوْفٌ عليهم ولا حزن ، وإن كانوا متمردين وقعوا في أشدِّ العذابِ .

قيل : أراد " بَنِي آدَمَ " مشركي العربِ ، وقد تقدَّم إعراب نظيره في البقرة ، وهي أن الشَّرْطِيَّة ضمت إليها مؤكدة لمعنى الشّرط ، ولذلك لزمت فعلها النون الثقيلة ، وجزاء هذا الشرط هو الفاء وما بعده من الشرط ، والجزاء وهو قوله تعالى : { فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ } .

و " مِنْكُم " صفة ل " رسل " ، وكذلك " يَقُصُّون " وقُدِّمَ الجار على الجملة لأنه أقرب إلى المفرد منها .

قال مُقاتِلٌ : أرَادَ بالرُّسُلِ الرَّسول - عليه الصَّلاة والسلامُ - إنما قال : " رُسُل " ، وإن كان خطاباً للرَّسُولِ - عليه الصَّلاة والسَّلام - ، وهو خاتم الأنبياء ؛ لأنه أجرى الكلام على ما يقتضيه سنته في الأمم .

وقيل : أراد جميع الرُّسُلِ ، وإنَّما قال : " منكم " ؛ لأنَّ كون الرسول منهم أقطع لعذرهم ، وأمعن للحجَّة عليهم من جهات :

أحدها : أنَّ معرفتهم بأحواله وبطهارته تكون متقدمة .

وثانيها : أنَّ معرفتهم بما يليق بقدرته تكون متقدّمة فلا جرم لا يقع في المعجزات التي تظهر عليه شكّ وشبهة في أنَّهَا حصلت بقدرة الله تبارك وتعالى ، لا بِقُدرتِهِ ، ولهذا السَّبب قال تبارك وتعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] .

وثالثها : ما يحصل من الألْفَةِ وسكونِ القلب إلى أبناء الجنس ، بخلاف من لا يكون من الجنس ، فإنَّهُ لا يحصل معه الألفة .

قوله : { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } .

قيل : الآياتُ : القرآنُ ، وقيل : الدلائلُ ، وقيل : الأحكام والشَّرائع .

والأَوْلى دخول الكلِّ فيه ؛ لأنَّ الرُّسل إذا جاءُوا فلا بدّ يذكرون جميع هذه الأقسام .

قوله : " فَمَنْ " يحتمل أن يكون شرطية ، وأنْ تكون موصولة ، فإن كان الأوَّلُ ؛ كانت هي وجوابها جواباً للشّرط الأوَّل كما تقدَّم ، وهي مستقلة بالجوابِ دون التي تُفِيدُ جوابها وهي " والَّذِينَ كَذَّبُوا " ، وإن كان الثاني كانت هي وجوابها ، والجملة المشار غليها كلاهما جواباً للشَّرط ، كأنَّهُ قسم جواب قوله : " إمَّا يأتينكُمْ " إلى متَّقٍ ومكذب ، وجر كلاًّ منهما ، وقد تقدَّم تحقيق هذا في البقرة .

وحذف مفعولي " اتَّقَى وأصْلَحَ " اختصاراً للعلم بهما أي : اتَّقَى ربه وأصلحِ عمله ، أو اقتصاراً أي : فَمَنْ كان من أهل التَّقْوى والصَّلاح من غير نظر إلى مفعول ، كقوله تعالى : { هُوَ أغنى وأقنى } [ النجم : 48 ] ولكن لا بدَّ من تقدير رابط بين هذه الجملة ، وبين الجملة الشرطية ، والتقدير : فمن منكم والذين كذَّبوا منكم .

وقرأ أبيٌّ{[16088]} والأعرج " تَأتينكُمْ " بتاء مثناة من فوق نظراً إلى معنى جماعة الرسل فيكون قوله تعالى " يَقُصُّون " بالياء من تحت حملاً على المعنى إذ لو حمل على اللفظ لقال : " تقُصُّ " بالتَّأنيث أيضاً .

مطلب : هل يلحق المؤمنين خوف يوم القيامة أو لا ؟

المعنى : لا خوف عليهم بسبب الأحْوالِ المستقبلة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما فاتهم في الدُّنْيَا ؛ لأنَّ حزنهم على عقاب الآخرة بما حصل لهم من زوال الخوف ، فيكون كالمعادِ ، وحمله على الفائدة الزائدة أولى .

واختلف العلماء في أنَّ المؤمنين من أهل الطَّاعات هل يلحقهم خوف أو حزن عند أهوال القيامة ، فقال بعضهم : لا يلحقهم لهذه الآية الكريمة ، ولقوله تعالى : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر } [ الأنبياء : 103 ] ، وذهب بعضهم إلى أنَّهُ يلحقهم ذلك الفزع الأكبر لقوله تعالى : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى } [ الحج : 2 ] من شدة الخوف ، وأجاب هؤلاء عن هذه الآية الكريمة بأنَّ معناها : أن أمرهم يؤولُ إلى الأمن والسرور ، كقول الطَّبِيبِ للمريض : " لا بأس عليك " أي : يؤولُ أمرك إلى العافية والسلامة ، وإن كان في الوقت في بأس من علته .


[16088]:ينظر: الكشاف 2/102، والمحرر الوجيز 2/396، والدر المصون 3/296.