الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (35)

وقوله تعالى : { إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } : قد تقدَّم نظيره في البقرة . و " منكم " صفةٌ لرسل ، وكذلك " يَقُصُّون " وقُدِّم الجارُّ على الجملة لأنه أقربُ إلى المفردِ منها . وقوله " فَمَنْ " يُحتمل أن تكون " مَنْ " شرطيةً ، وأن تكونَ موصولةً . فإن كان الأولَ كانت هي وجوابُها جواباً للشرطِ الأول ، وهي مستقلةٌ بالجواب دون الجملة التي بعد جوابها ، وهي " والذين كَذَّبوا " ، وإن كان الثاني كانت هي وجوابُها والجملة المشار إليها كلاهما جواباً للشرط ، كأنه قَسَّم جوابَ قوله : " إمَّا يأتينَّكم " إلى مُتَّقٍ ومُكَذِّب وجزاء كل منهما . وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في البقرة .

وحَذَفَ مفعولَيْ " اتَّقى وأصلحَ " اختصاراً للعِلْم بهما أي : اتَّقى ربَّه وأصلح عمله ، أو اقتصاراً أي : فَمَنْ كان من أهل التقوى والصلاح ، من غير نظرٍ إلى مفعول كقوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى } [ النجم : 48 ] ولكن لا بد من تقديرِ رابطٍ بين هذه الجملةِ وبين الجملةِ الشرطية ، والتقدير : فَمَنْ اتَّقى منكم والذين كَذَّبوا منكم .

وقرأ أُبَيُّ والأعرجُ " تأتينَّكم " بتاء مثناة من فوق ، نظراً إلى معنى جماعة الرسل ، فيكونُ قوله تعالى : " يَقُصُّون " بالياء من تحت حَمْلاً على المعنى ؛ إذ لو حُمل على اللفظ لقال : " تَقُصُّ " بالتأنيث أيضاً .