أم كيف يأمنون أن يردهم الله إلى البحر فيرسل عليهم ريحا قاصفة ، تقصف الصواري وتحطم السفين ، فيغرقهم بسبب كفرهم وإعراضهم ، فلا يجدون من يطالب بعدهم بتبعة إغراقهم ?
ألا إنها الغفلة أن يعرض الناس عن ربهم ويكفروا . ثم يأمنوا أخذه وكيده . وهم يتوجهون إليه وحده في الشدة ثم ينسونه بعد النجاة . كأنها آخر شدة يمكن أن ياخذهم بها الله !
يقول تعالى : { أَمْ أَمِنْتُمْ } أيها المعرضون عنا بعدما اعترفوا بتوحيدنا في البحر ، وخرجوا إلى البر{[17669]} { أَنْ يُعِيدَكُمْ } في البحر مرة ثانية { فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ } أي : يقصف الصواري ويغرق المراكب .
قال ابن عباس وغيره : القاصف : ريح البحار{[17670]} التي تكسر المراكب وتغرقها{[17671]} .
وقوله : { فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ }{[17672]} أي : بسبب كفركم وإعراضكم عن الله تعالى .
وقوله : { ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } قال ابن عباس : نصيرًا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أم أمنتم أن يعيدكم فيه}: في البحر،
{تارة أخرى}، يعني: مرة أخرى...
{فيرسل عليكم قاصفا}، يعني: عاصفا، {من الريح}، وهي الشدة،
{فيغرقكم بما كفرتم} النعم حين أنجاكم من الغرق، ونقضتم العهد وأنتم في البر،
{ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا}، يقول: لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أم أمنتم أيها القوم من ربكم، وقد كفرتم به بعد إنعامه عليكم، النعمة التي قد علمتم، أن يعيدكم في البحر "تارة أخرى": يقول: مرّة أخرى، والهاء التي في قوله "فيه "من ذكر البحر...
"فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ" وهي التي تقصف ما مرّت به فتحطمه وتدقه، من قولهم: قصف فلان ظهر فلان: إذا كسره "فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ" يقول: فيغرقكم الله بهذه الريح القاصف بما كفرتم، يقول: بكفركم به.
"ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا" يقول: ثم لا تجدوا لكم علينا تابعا يتبعنا بما فعلنا بكم، ولا ثائرا يثأرنا بإهلاكنا إياكم، وقيل: تبيعا في موضع التابع، كما قيل: عليم في موضع عالم. والعرب تقول لكل طالب بدم أو دين أو غيره: تبيع...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى} أي يحوجكم إلى ركوب البحر مرة أخرى {فيغرقكم بما كفرتم} أو يذكر هذا: أن من قدر على إنشاء ما ذكر من الفلك وإجرائها في البحر وتسكين أمواجه ودفع أهواله قادر على إهلاكهم في البر وإعادتكم في البحر ثانيا وإغراقكم فيه...
{تبيعا} أي من يتبعنا بدمائكم ويطالبنا بها... وقال أبو عوسجة: التبيع الكفيل، ويقال: المتقاضي في موضع آخر...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَمْ أَمِنتُمْ} أن يقوّي دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم، فينتقم منكم بأن يرسل {عَلَيْكُمْ قَاصِفًا} وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد، كأنها تتقصف أي تتكسر. وقيل: التي لا تمرّ بشيء إلا قصفته {فَيُغْرِقَكُم}... التبيع: المطالب، من قوله {فاتباع بالمعروف} [البقرة: 178] أي مطالبة...
يقال: فلان على فلان تبيع بحقه، أي مصيطر عليه مطالب له بحقه. والمعنى: أنا نفعل ما نفعل بهم، ثم لا تجد أحداً يطالبنا بما فعلنا انتصاراً منا ودركاً للثأر من جهتنا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أم أمنتم} إن جاوزت بكم الغباوة حدها فلم تجوزوا ذلك {أن يعيدكم فيه} أي البحر بما لنا من العظمة التي تضطركم إلى ذلك فتقركم عليه وإن كرهتم {تارة أخرى} بأسباب تضطركم إلى ذلك {فنرسل عليكم} أي بما لنا من صفة الجلال {قاصفاً} وهو الكاسر بشدة {من الريح} كما عهدتم أمثاله يا من وقفت أفكارهم مع المحسوسات فرضوا بذلك أن يكونوا كالبهائم لا يفهمون إلا الجزئيات المشاهدات {فيغرقكم} أي في البحر الذي أعدناكم فيه، لعظمتنا {بما كفرتم} كما يفعل أحدكم إذا ظفر بمن كفر إحسانه {ثم لا تجدوا لكم} وإن أمعنتم في الطلب، وطالت أزمانكم في إتقان السبب. ولما كان إطلاق النفي في ختام الآية الماضية -وإن كان لإرادة التعميم- يحتمل أن يدعي تقييده بما يخالف المراد، وكان المقصود هنا التخويف بسطوته سبحانه تارة بالخسف وتارة بغيره، قيد بما عين المراد، وقدم قوله تعالى: {علينا} دلالة على باهر العظمة {به} أي بما فعلنا بكم {تبيعاً} أي مطالباً يطالبنا به.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} أي: تبعة ومطالبة، فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ألا إنها الغفلة أن يعرض الناس عن ربهم ويكفروا. ثم يأمنوا أخذه وكيده. وهم يتوجهون إليه وحده في الشدة ثم ينسونه بعد النجاة كأنها آخر شدة يمكن أن يأخذهم بها الله!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... أي: بل أأمنتم... أو هل كنتم آمنين من العود إلى ركوب البحر مرة أخرى فيرسل عليكم قاصفاً من الريح... والتارة: المرة المتكررة... والمعنى: فيرسل عليكم ريحاً قاصفاً، أي تقصف الفلك، أي تعطبه بحيث يغرق، ولذلك قال: {فيغرقكم}... و (ثم) للترتيب الرتبي كشأنها في عطفها الجمل. وهو ارتقاء في التهديد بعدم وجود مُنقذ لهم، بعد تهديدهم بالغرق لأن الغريق قد يجدُ منقذاً...
والتبيع: مبالغة في التابع، أي المتتبع غيره المطالب لاقتضاء شيء منه. أي لا تجدوا من يسعى إليه ولا من يطالب لكم بثأر...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.