البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَمۡ أَمِنتُمۡ أَن يُعِيدَكُمۡ فِيهِ تَارَةً أُخۡرَىٰ فَيُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ قَاصِفٗا مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغۡرِقَكُم بِمَا كَفَرۡتُمۡ ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمۡ عَلَيۡنَا بِهِۦ تَبِيعٗا} (69)

تارة مرة وتجمع على تير وتارات .

قال الشاعر :

وإنسان عيني يحسر الماء تارة ***فيبدوا وتارات يجم فيغرق

القاصف الذي يكسر كل ما يلقى ، ويقال قصف الشجر يقصفه قصفاً كسره .

وقال أبو تمام :

إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت . . .

عيدان نجد ولا يعبأن بالرتم

وقيل : القاصف الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد كأنها تتقصف أي تتكسر .

و { أم } في { أم أمنتم } منقطعة تقدر ببل ، والهمزة أي بل { أمنتم } والضمير في { فيه } عائد على البحر ، وانتصب تارة على الظرف أي وقتاً غير الوقت الأول ، والباء في { بما كفرتم } سببية وما مصدرية ، أي بسبب كفركم السابق منكم ، والوقت الأول الذي نجاكم فيه أو بسبب كفركم الذي هو دأبكم دائماً .

والضمير في { به } عائد على المصدر الدال عليه فنغرقكم ، إذ هو أقرب مذكور وهو نتيجة الإرسال .

وقيل عائد على الإرسال .

وقيل : عليهما فيكون كاسم الإشارة والمعنى بما وقع من الإرسال والإغراق .

والتبيع قال ابن عباس : النصير ، وقال الفراء : طالب الثأر .

وقال أبو عبيدة : المطالب .

وقال الزجّاج : من يتبع بالإنكار ما نزل بكم ، ونظيره قوله تعالى { فسواها ولا يخاف عقباها } وفي الحديث : « إذا اتّبع أحدكم على مليء فليتبع » وقال الشماخ :

كما لاذ الغريم من التبيع . . .

ويقال : فلان على فلان تبيع ، أي مسيطر بحقه مطالب به .

وأنشد ابن عطية :

غدوا وغدت غزلانهم فكأنها . . . ***ضوامن غرم لدهن تبيع

أي مطالب بحقه .

وقرأ ابن كثير وأبو عمر : ونخسف وأو نرسل وأن نعيدكم وفنرسل وفنغرقكم خمستها بالنون ، وباقي القراء بياء الغيبة ومجاهد وأبو جعفر فتغرقكم بناء الخطاب مسنداً إلى الريح والحسن وأبو رجاء { فيغرقكم } بياء الغيبة وفتح الغين وشد الراء ، عدّاه بالتضعيف ، والمقري لأبي جعفر كذلك إلاّ أنه بتاء الخطاب ، وحميد بالنون وإسكان الغين وإدغام القاف في الكاف ، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن .

وقرأ الجمهور : { من الريح } بالإفراد وأبو جعفر من الرياح جمعاً .