الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَمۡ أَمِنتُمۡ أَن يُعِيدَكُمۡ فِيهِ تَارَةً أُخۡرَىٰ فَيُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ قَاصِفٗا مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغۡرِقَكُم بِمَا كَفَرۡتُمۡ ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمۡ عَلَيۡنَا بِهِۦ تَبِيعٗا} (69)

قوله تعالى : { أَمْ أَمِنْتُمْ } / : يجوز أَنْ تكونَ المتصلة ، أي : أيُّ الأمرين كائن ؟ ويجوز أَنْ تكونَ المنقطعةَ ، و { أَن يُعِيدَكُمْ } مفعولٌ به ك { أَن يَخْسِفَ } .

قوله " تارةً " بمعنى مرةً وكَرَّة ، فهي مصدرٌ ، ويُجمع على تِيَرٍ وتاراتٍ . قال الشاعر :

وإنسانُ عيني يَحْسِرُ الماءُ تارةً *** فَيَبْدُ وتارات يَجُمُّ فَيَغْرَقُ

وألفُها تحتمل أن تكونَ عن واوٍ أو ياء . وقال الراغب : وهو فيما قيل : مِنْ تارَ الجُرْحُ : التأَمَ " .

قوله : " قاصِفاً " القاصِفُ يحتمل أن يكون مِنْ قَصَفَ متعدياً ، يقال : قَصَفَتِ الريحُ الشجرَ تَقْصِفها قَصْفاً . قال أبو تمام :

إنَّ الرياحَ إذا ما أَعْصَفتْ قَصَفَتْ *** عَيْدانَ نَجْدٍ ولم يَعْبَأْنَ بالرَّتَمِ

فالمعنى : أنها لا تُلْفِي شيئاً إلا قَصَفَتْه وكَسَرَتْه . والثاني : أن يكون مِنْ قَصِفَ قاصراً ، أي : صار له قَصِيف يقال : قَصِفَتِ الريحُ تَقْصَفُ ، أي : صَوَّتَتْ . و { مِّنَ الرِّيحِ } نعت .

قوله : { بِمَا كَفَرْتُمْ } يجوز أن تكونَ مصدريةً ، وأن تكونَ بمعنى الذي ، والباءُ للسببية ، أي : بسببِ كفرِكم ، أو بسبب الذي كفَرْتم به ، ثم اتُّسِع فيه فَحَذِفت الباءُ فوصل الفعلُ إلى الضميرِ ، وإنما احتيج إلى ذلك لاختلافِ المتعلق .

وقرأ أبو جعفرٍ ومجاهد " فَتُغْرِقَكم " بالتاء من فوقُ أُسْند الفعلُ لضمير الريح . وفي كتاب الشيخ " " فتُغْرِقَكم بتاء الخطاب مسنداً إلى " الريح " . والحسنُ وأبو رجاء بياء الغيبة وفتح الغين وشدِّ الراء ، عَدَّاه بالتضعيف والمقرئ لأبي جعفر كذلك إلا أنه بتاء الخطاب " . قلت : وهذا : إمَّا سهوٌ ، وإمَّا تصحيفٌ من النسَّاخ عليه ؛ كيف يَسْتقيم أن يقولَ بتاءِ الخطاب وهو مسندٌ إلى ضمير الريح ، وكأنه أراد بتاء التأنيث فسبقه قلمُه أو صَحَّف عليه غيرُه .

وقرأ العامَّة " الريحِ " بالإِفراد ، وأبو جعفر : " الرياح " بالجمع .

قوله : { بِهِ تَبِيعاً } يجوز في " به " أن يَتَعَلَّق ب " تَجِدوا " ، وأن يتعلَّقَ بتبيع ، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه حالٌ مِنْ تبيع . والتَّبِيْع : المطالِبُ بحقّ ، المُلازِمُ ، قال الشمَّاخ :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كما لاذَ الغَريمُ من التَّبيعِ

وقال آخر :

غَدَوْا وغَدَتْ غِزْلانُهم فكأنَّها *** ضوامِنُ مِنْ غُرْمٍ لهنَّ تَبيعُ