المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أَمۡ أَمِنتُمۡ أَن يُعِيدَكُمۡ فِيهِ تَارَةً أُخۡرَىٰ فَيُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ قَاصِفٗا مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغۡرِقَكُم بِمَا كَفَرۡتُمۡ ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمۡ عَلَيۡنَا بِهِۦ تَبِيعٗا} (69)

وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «يخسف » بالياء على معنى يخسف الله ، وكذلك «يرسل » و «يعيد » و «يرسل » و «يغرق » ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ذلك كله بالنون ، وقرأ أبو جعفر ومجاهد «تغرقكم » بالتاء أي الريح ، وقرأ حميد «نغرقكم » بالنون حقيقة{[7633]} وأدغم القاف في الكاف ، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن وقرأ الحسن وأبو رجاء «يغرّقكم » بشد الراء .

و «الوكيل » القائم بالأمور ، و «القاصف » الذي يكسر كل ما يلقى ويقصفه ، و { تارة } ، جمعها تارات وتير ، معناه : مرة أخرى ، وقرأ أبو جعفر : «من الرياح » بالجمع . و «التبيع » الذي يطلب ثأراً أو ديناً ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

غدوا وغدت غزلانهم فكأنها . . . ضوامن عزم لزهن تبيع{[7634]}

ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام : «إذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع{[7635]} » فالمعنى لا تحدون من يتبع فعلنا بكم ويطب نصرتكم .


[7633]:أي: خفيفة الراء.
[7634]:قال في اللسان (تبع): "التبيع: الذي يتبعك بحق يطالبك به، وهو الذي يتبع الغريم بما أحيل عليه"، ثم حكى عن الفراء أنه قال في معنى الآية: "أي ثائرا ولا طالبا بالثأر لإغراقنا إياكم"، وحكى عن الزجاج قوله: "معناه: لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم ولا يتبعنا بأن يصرفه عنكم". والغرم: ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه أو خيانة، والضامن: الكفيل أو الملتزم أو الغارم الذي يلزمه مالا يجب عليه. ولزهن: لزمهن والتصق بهن ليجبرهن على ما يريد.
[7635]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، ومالك في الموطأ، وأحمد في مسنده، واللفظ برواية البخاري في الحوالات عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم، ومن أتبع على ملي فليتبع)، والمعنى: إذا أحيل أحدكم على ملي فليتحمل، وهو أمر على الرفق والأدب والإباحة، وليس أمرا على الوجوب.