في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

( فألقي السحرة سجدا . قالوا : آمنا برب هارون وموسى ) . .

إنها اللمسة تصادف العصب الحساس فينتفض الجسم كله . وتصادف " الزر الصغير " فينبعث النور ويشرق الظلام . إنها لمسة الإيمان للقلب البشري تحوله في لحظة من الكفر إلى الإيمان .

ولكن أنى للطغاة أن يدركوا هذا السر اللطيف ? أنى لهم أن يدركوا كيف تتقلب القلوب ? وهم قد نسوا لطول ما طغوا وبغوا ، ورأوا الأتباع ينقادون لإشارة منهم ، نسوا أن الله هو مقلب القلوب ؛ وأنها حين تتصل به وتستمد منه وتشرق بنوره لا يكون لأحد عليها سلطان :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه ، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه ، علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل ، وأنه حق لا مرية فيه ، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون ، فعند ذلك وقعوا سُجَّدًا لله وقالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } [ الشعراء : 47 ، 48 ] .

ولهذا قال ابن عباس ، وعُبَيد بن عُمَير : كانوا أول النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء بررة .

قال محمد بن كعب : كانوا ثمانين ألفًا ، وقال القاسم بن أبي بزَّة : كانوا سبعين ألفًا .

وقال السدي : بضعة وثلاثين ألفًا .

وقال الثوري : عن عبد العزيز بن رُفَيْع ، عن أبي ثمامة : كان{[19425]} سحرة فرعون تسعة عشر ألفًا .

وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفًا .

وقال كعب الأحبار كانوا اثني عشر ألفًا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن علي بن حمزة ، حدثنا{[19426]} علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت السحرة سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيب بن واضح بمكة ، حدثنا ابن المبارك قال : قال الأوزاعي : لما خرَّ السحرة سُجَّدًا رُفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها .

قال : وذُكر عن سعيد بن سلام : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قوله : { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا } قال : رأوا منازلهم تبني لهم وهم في سجودهم . وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بَزَّة .


[19425]:في أ: "كانوا".
[19426]:في أ: "حدثنا محمد بن موسى حدثني علي بن الحسين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأُلْقِيَ السّحَرَةُ سُجّداً قَالُوَاْ آمَنّا بِرَبّ هَارُونَ وَمُوسَىَ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ فَلاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ وَلَتَعْلَمُنّ أَيّنَآ أَشَدّ عَذَاباً وَأَبْقَىَ } .

وفي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك عليه هو : فألقى موسى عصاه ، فتلقفت ما صنعوا " فأُلْقيَ السّحَرَةُ سُجّدا قالُوا آمَنّا بِرَبّ هارُونَ وَمُوسَى " . وذكر أن موسى لما ألقى ما في يده تحوّل ثعبانا ، فالتقم كلّ ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصيّ . ذكر الرواية عمن قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : لما اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السحر ، " خيل إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أنّها تَسْعَى فأوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنا لا تَخَفْ إنّكَ أنْتَ الأعْلَى وألْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا " فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين . قال : فتحت فما لها مثل الدّحْل ، ثم وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الاَخر ، ثم استوعبت كلّ شيء ألقوه من السحر ، ثم جاء إليها فقبض عليها ، فإذا هي عصا ، فخرّ السحرة سجدا " قالُواآمَنّا بِرَبّ هارُونَ وَموسَى قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ إنّهُ لَكَبِيرُكُمْ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ فَلأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وَأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ " قال : فكان أوّل من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون " وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ " قال : فكان أوّل من صلب في جذوع النخل فرعون .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ " فأوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى " فأوحى الله إليه لا تَخَفْ وألْقِ ما في يَمِينَكَ تَلْقَف ما يأفِكُونَ فألْقَى عَصَاهُ فأكلت كلّ حية لهم فلما رأوا ذلك سجدوا وقَالُوا آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ رَبّ هَارُونَ وَمُوسَى .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه " فأوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خيفَةً مُوسَى " لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصيّ وخيل إليه أنها تسعى ، وقال : والله إن كانت لعصيا في أيديهم ، ولقد عادت حيات ، وما تعدو عصاي هذه ، أو كما حدّث نفسه ، فأوحى الله إليه أن ألْقِ ما في يَمِينكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إنّمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السّاحرِ حَيْثُ أتَى وفرح موسى فألقى عصاه من يده ، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى ، فجعلت تلقفها ، تبتلعها حية حية ، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا ، قالوا : آمنا بربّ هارون وموسى ، لو كان هذا سحر ما غلبنا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

ثم إن موسى عليه السلام ألقى عصاه من يده فاستحالت ثعباناً وجعلت تنمو حتى روي أنها عبرت النهر بذنبها ، وقيل البحر ، وفرعون في هذا يضحك ويرى أن الاستواء حاصل ، ثم أقبلت تأكل الحبال والعصي حتى أفنتها ففرت نحو فرعون ففزع عند ذلك وقال يا موسى فمد موسى يده إليها فرجعت عصى كما كانت فنظر السحرة وعلموا الحق ورأوا الحبال والعصي فآمنوا رضي الله عنهم .

في خلال هذه الآيات تقدير وحذف يدل عليه ظاهر القول فالمقدر من ذلك هنا فألقى موسى عصاه فالتقمت كل ما جاؤوا به أو نحو هذا ، وروي أن السحرة لما رأوا العصا لا أثر فيها للسحر ثم رأت انقلابها حية وأكلها للحبال والعصي ثم رجوعها إلى حالها وعدم الحبال والعصي أيقنوا بنبوءة موسى وأن الأمر من عند الله تعالى وقدم { هارون } قبل { موسى } لتستوي رؤوس آي السور فنقل معنى السحرة وهذا كقوله عز وجل : { أزواجاً من نبات شتى }{[8132]} [ طه : 53 ] تأخر شتى إنما هو لتستوي رؤوس الآي ، وكذلك قوله تعالى : { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى }{[8133]} .


[8132]:من الآية (52) من هذه السورة (طه).
[8133]:الآية (129) من هذه السورة (طه).