في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

( قال : آمنتم له قبل أن آذن لكم ? إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ، ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ) .

( آمنتم له قبل أن آذن لكم ) . . قولة الطاغية الذي لا يدرك أنهم هم أنفسهم لا يملكون - وقد لمس الإيمان قلوبهم - أن يدفعوه عنها ، والقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء .

( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) . . فذلك سر الاستسلام في نظره ، لا أنه الإيمان الذي دب في قلوبهم من حيث لا يحتسبون . ولا أنها يد الرحمن تكشف عن بصائرهم غشاوة الضلال .

ثم التهديد الغليظ بالعذاب الغليظ الذي يعتمد عليه الطغاة ؛ ويسلطونه على الجسوم والأبدان حين يعجزون عن قهر القلوب والأرواح : ( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ولأصلبنكم في جذوع النخل ) .

ثم الاستعلاء بالقوة الغاشمة . قوة الوحوش في الغابة . القوة التي تمزق الأحشاء والأوصال ، ولا تفرق بين إنسان يقرع بالحجة وحيوان يقرع بالناب : ( ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ) !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل ، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة ، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم وغُلِب كل الغلب - شرع في المكابرة والبهت ، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في{[19427]} السحرة ، فتهددهم وأوعدهم{[19428]} وقال { آمَنْتُمْ لَهُ } أي : صدقتموه { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } أي : وما أمرتكم بذلك ، وافتتم{[19429]} عليّ في ذلك . وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بَهْت وكذب : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى ، واتفقتم أنتم وإياه عليّ وعلى رعيتي ، لتظهروه ، كما قال في الآية الأخرى : { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف 123 ] .

ثم أخذ يتهددهم فقال : { فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } أي : لأجعلنكم مثلة [ ولأقتلنكم ]{[19430]} ولأشهرنكم .

قال ابن عباس : فكان أول من فعل ذلك . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } أي أنتم تقولون : إني وقومي على ضلالة ، وأنتم مع موسى وقومه على الهدى . فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه .


[19427]:في ف: "إلى".
[19428]:في ف: "وتوعدهم" وفي أ: "فهددهم وتوعدهم".
[19429]:في ف: "وأقسم" وفي أ: "وأقشم".
[19430]:زيادة من ف، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

وقوله : " قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ " يقول جلّ ثناؤه : وقال فرعون للسحرة : أصدّقتم وأقررتم لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم إنّهُ لكَبيركُم يقول : إن موسى لعظيمكم الّذي عَلّمَكُمُ السّحْرَ . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : لما قالت السحرة : " آمَنّا بِرَبّ هارُونَ وَمُوسَى " قال لهم فرعون ، وأسف ورأى الغلبة والبينة : " آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلع أنْ آذَنَ لَكُمْ إنّهُ لَكَبِيرُكُمْ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ " : أي لعظيم السحار الذي علمكم . وقوله : " فَلأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ " يقول : فلأقطعنّ أيديكم وأرجلكم مخالفا بين قطع ذلك ، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرجلين ، أو يسرى اليدين ، ويمنى الرجلين ، فيكون ذلك قطعا من خلاف ، وكان فيما ذُكر أوّل من فعل ذلك فرعون ، وقد ذكرنا الرواية بذلك . وقوله : " وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ " يقول : ولأصلبنكم على جذوع النخل ، كما قال الشاعر :

هُمْ صَلَبُوا العَبْدِيّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ *** فَلا عَطَسَتْ شَيْبانُ إلاّ بأجْدَعا

يعني على جذع نخلة ، وإنما قيل : في جذوع ، لأن المصلوب على الخشبة يرفع في طولها ، ثم يصير عليها ، فيقال : صلب عليها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ " لما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من الله فخروا سجدا ، وآمنوا عند ذلك ، قال عدوّ الله : " فَلأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وَأرْجُلَكمْ مِنْ خِلافٍ . . . " الاَية .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال فرعون : " لأَقْطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِن خِلافٍ وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ " فقتلهم وقطعهم ، كما قال عبد الله بن عباس حين قالوا : " رَبّنا أفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا مُسْلِمِينَ " وقال : كانوا في أوّل النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء .

وقوله : " وَلَتَعْلَمُنّ أيّنا أشَدّ عَذَابا وأبْقَى " يقول : ولتعلمنّ أيها السحرة أينا أشدّ عذابا لكم ، وأدوم ، أنا أو موسى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ} (71)

وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وورش عن نافع «آمنتم » على الخبر ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر «ءامنتم » بهمزة بعدها مدة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «أأمنتم » بهمزتين ، وقوله { قبل أن آذن لكم } مقاربة منه وبعض إذعان . وقوله { من خلاف } يريد قطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى ، قوله { في جذوع النخل } اتساع من حيث هو مربوط في الجذع وليست على حد قولك ركبت على الفرس ، وقوله { أينا } يريد نفسه ورب موسى عليه السلام ، وقال الطبري يريد نفسه وموسى عليه السلام والأول أذهب مع مخرفة فرعون{[8134]} .


[8134]:المخرقة: الجهل والحمق.