في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ وَمِنَّا ٱلۡقَٰسِطُونَۖ فَمَنۡ أَسۡلَمَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ تَحَرَّوۡاْ رَشَدٗا} (14)

ثم يقررون تصورهم لحقيقة الهدى والضلال ، والجزاء على الهدى والضلال :

( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون . فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا . وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) . .

والقاسطون : الجائرون المجانبون للعدل والصلاح . وقد جعلهم هذا النفر من الجن فريقا يقابل المسلمين . وفي هذا إيماءة لطيفة بليغة المدلول . فالمسلم عادل مصلح ، يقابله القاسط : الجائر المفسد . .

( فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) . . والتعبير بلفظ( تحروا )يوحي بأن الاهتداء إلى الإسلام معناه الدقة في طلب الرشد والاهتداء - ضد الغي والضلال - ومعناه تحري الصواب واختياره عن معرفة وقصد بعد تبين ووضوح . وليس هو خبط عشواء ولا انسياقا بغير إدراك . ومعناه أنهم وصلوا فعلا إلى الصواب حين اختاروا الإسلام . . وهو معنى دقيق وجميل . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ وَمِنَّا ٱلۡقَٰسِطُونَۖ فَمَنۡ أَسۡلَمَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ تَحَرَّوۡاْ رَشَدٗا} (14)

{ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ } أي : منا المسلم ومنا القاسط ، وهو : الجائر عن الحق الناكب عنه ، بخلاف المقسط فإنه العادل ، { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا } أي : طلبوا لأنفسهم النجاة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ وَمِنَّا ٱلۡقَٰسِطُونَۖ فَمَنۡ أَسۡلَمَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ تَحَرَّوۡاْ رَشَدٗا} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنّا مِنّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلََئِكَ تَحَرّوْاْ رَشَداً * وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن : وأنّا مِنّا المُسْلِمُون الذين قد خضعوا لله بالطاعة وَمِنّا القاسِطُونَ وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ وَمِنّا القاسِطُونَ قال : العادلون عن الحقّ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : القاسِطُونَ قال : الظالمون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : القاسِطُونَ الجائرون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : القاسِطُونَ قال : الجائرون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : المقسط : العادل ، والقاسط : الجائر وذكر بيت شعر :

قَسَطْنا على الأمْلاكِ فِي عَهْدِ تُبّعٍ *** وَمِنْ قَبْل ما أدْرَي النّفوسَ عِقابَها

وقال : وهذا مثل الترب والمترب قال : والترب : المسكين ، وقرأ : أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَة قال : والمترب : الغنيّ .

وقوله : فَمَنْ أسْلَمَ فأُولَئِكَ تَحَرّوْا رَشَدا يقول : فمن أسلم وخضع لله بالطاعة ، فأولئك تعمدوا وترجّوا رشدا في دينهم . وأما القاسطون يقول : الجائرون عن الإسلام ، فكانُوا لِجَهَنّمَ حَطَبا توقد بهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ وَمِنَّا ٱلۡقَٰسِطُونَۖ فَمَنۡ أَسۡلَمَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ تَحَرَّوۡاْ رَشَدٗا} (14)

وقسم الله تعالى بعد ذلك حال الناس في الآخرة على نحو ما قسم قائل الجن ، فقوله : { وأنّا منا المسلمون ومنا القاسطون } والقاسط : الظالم ، قاله مجاهد وقتادة والناس ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

قوم همُ قتلوا ابن هند عنوة*** عمراً وهم قسطوا على النعمان{[11370]}

والمقسط : العادل ، وإنما هذا التقسيم ليذكر حال الطريقين من النجاة والهلكة ، ويرغب في الإسلام من لم يدخل فيه ، فالوجه أن يكون { فمن أسلم } ، مخاطبة من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويؤيده ما بعده من الآيات ، و { تحروا } : معناه طلبوا باجتهادهم ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها »{[11371]} .


[11370]:هذا البيت من قصيدة قالها الفرزدق يمدح بني تغلب ويهجو جريرا، وقد بدأها بقوله: (يا ابن المراغة والهجاء إذا التقت أعناقه...) وقبل البيت يقول: ماضر تغلب وائل أهجوتها أم بلت حيث تناطح البحران؟ يا ابن المراغة إن تغلب وائل رفعوا عناني فوق كل عنان وابن هند هو عمرو بن المنذر اللخمي، ملك الحيرة في الجاهلية، وكان شديد البأس، قتله عمرو بن كلثوم أنفة وغضبا لأمه حين أرادت أم الملك أن تستخدمها في خبر طويل يروى في كتب الأدب، وعنوة: قهرا، وقسطوا: جاروا، وهي موضع الاستشهاد، فإن (قسط) بمعنى (جار)، و(أقسط) بمعنى (عدل).
[11371]:أخرجه البخاري في المواقيت وفي فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسلم في المسافرين،والنسائي في المواقيت، ومالك في القرآن من الموطأ، وأحمد في مسنده (6/255، 2/13، 19، 33)، ولفظه كما جاء في مسند أحمد: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة أن يتحرى بها طلوع الشمس وغروبها.