السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ وَمِنَّا ٱلۡقَٰسِطُونَۖ فَمَنۡ أَسۡلَمَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ تَحَرَّوۡاْ رَشَدٗا} (14)

{ وأنا منا } أي : الجن { المسلمون } أي : المخلصون في صفة الإسلام { ومنا القاسطون } أي : الجائرون أي : وإنا بعد سماع القرآن مختلفون فمنا من أسلم ومنا من كفر ، والقاسط الجائر لأنه عدل عن الحق ، والمقسط العادل إلى الحق ، قسط إذا جار ، وأقسط إذا عدل فقسط الثلاثي بمعنى جار ، وأقسط الرباعي بمعنى عدل .

وعن سعيد بن جبير : أنّ الحجاج قال له حين أراد قتله : ما تقول فيّ ؟ قال : قاسط عادل . فقال القوم : ما أحسن ما قال ، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل . فقال الحجاج : يا جهلة إنما سماني ظالماً مشركاً وتلا لهم قوله تعالى : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً } . { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } [ الأنعام : 1 ] .

{ فمن أسلم } أي : أوقع الإسلام كله بأن أسلم ظاهره وباطنه من الجن وغيرهم { فأولئك } أي : العالو الرتبة { تحرّوا } أي : توخوا وقصدوا مجتهدين { رشداً } أي : صواباً عظيماً وسداداً كان لما عندهم من النقائص شارداً عنهم ، فعالجوا أنفسهم حتى ملكوه فجعلوه لهم منزلاً .