البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ وَمِنَّا ٱلۡقَٰسِطُونَۖ فَمَنۡ أَسۡلَمَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ تَحَرَّوۡاْ رَشَدٗا} (14)

تحرى الشيء : طلبه باجتهاد وتوخاه وقصده .

{ ومنا القاسطون } : أي الكافرون الجائزون عن الحق .

قال مجاهد وقتادة : والبأس القاسط : الظالم ، ومنه قول الشاعر :

قوم هم قتلوا ابن هند عنوة *** وهمو اقسطوا على النعمان

وجاء هذا التقسيم ، وإن كان قد تقدم { وأنا منا الصالحون } ، ومنا دون ذلك ليذكر حال الفريقين من النجاة والهلكة ويرغب من يدخل في الإسلام .

والظاهر أن { فمن أسلم } إلى آخر الشرطين من كلام الجن .

وقال ابن عطية : الوجه أن يكون { فمن أسلم } مخاطبة من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويؤيده ما بعد من الآيات .

وقرأ الأعرج : رشداً ، بضم الراء وسكون الشين ؛ والجمهور : بفتحهما .

وقال الزمخشري : وقد زعم من لا يرى للجن ثواباً أن الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم ، وكفى به وعيداً ، أي فأولئك تحروا رشداً ، فذكر سبب الثواب وموجبه ، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد .

انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال في قوله وموجبه .