في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

58

وفي أنسب الظروف . . والمشاعر تفيض بالزراية والاحتقار لضعف الآلهة المدعاة يندد بسوء تقديرهم لله ، ويعرض قوة الله الحق الحقيق بأنه إله :

( ما قدروا الله حق قدره ، إن الله لقوي عزيز ) . .

ما قدروا الله حق قدره ، وهم يشركون به تلك الآلهة الكليلة العاجزة التي لا تخلق ذبابا ولو تجمعت له . بل لا تستنقذ ما يسلبها الذباب إياه !

ما قدروا الله حق قدره ، وهم يرون آثار قدرته ، وبدائع مخلوقاته ، ثم يشركون به من لا يستطيعون خلق الذباب الحقير !

ما قدروا الله حق قدره ، وهم يستعينون بتلك الآلهة العاجزة الكليلة عن استنقاذ ما يسلبها إياه الذباب ، ويدعون الله القوي العزيز . .

إنه تقرير وتقريع في أشد المواقف مناسبة للخشوع والخضوع !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

ثم قال : { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي : ما عرفوا قدر الله وعظمته حين عبدوا معه غيره ، من هذه{[20419]} التي لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها ، { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء ، { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } [ البروج : 12 ، 13 ] ، { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات : 58 ] .

وقوله : { عَزِيزٌ } أي : قد عز{[20420]} كل شيء فقهره وغلبه ، فلا يمانع ولا يغالب ، لعظمته وسلطانه ، وهو الواحد القهار .


[20419]:- في أ : "هذا الذي".
[20420]:- في ف : "قدر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

وقوله : ما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ يقول : ما عظم هؤلاء الذين جعلوا الاَلهة لله شريكا في العبادة حقّ عظمته حين أشركوا به غيره ، فلم يخلصوا له العبادة ولا عرفوه حقّ معرفته من قولهم : ما عرفت لفلان قدره إذا خاطبوا بذلك من قَصّر بحقه وهم يريدون تعظيمه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذّبابُ شَيْئا . . . إلى آخر الاَية ، قال : هذا مثل ضربه الله لاَلهتهم . وقرأ : ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ حين يعبدون مع الله ما لا ينتصف من الذباب ولا يمتنع منه .

وقوله : إنّ اللّهَ لَقَوِيّ يقول : إن الله لقويّ على خلق ما يشاء من صغير ما يشاء من خلقه وكبيره . عَزِيزٌ يقول : منيع في مُلكه لا يقدر شيء دونه أن يسلبه من ملكه شيئا ، وليس كآلهتكم أيها المشركون الذين تدعون من دونه الذين لا يقدرون على خلق ذباب ولا على الامتناع من الذباب إذا استلبها شيئا ضعفا ومهانة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

{ ما قدروا الله حق قدره } ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة . { إن الله لقوي } على خلق الممكنات بأسرها . { عزيز } لا يغلبه شيء وآلهتهم التي يعبدونها عاجزة عن أقلها مقهورة من أذلها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (74)

تذييل للمثل بأن عبادتهم الأصنام مع الله استخفاف بحق إلهيته تعالى إذ أشركوا معه في أعظم الأوصاف أحقر الموصوفين ، وإذ استكبروا عند تلاوة آياته تعالى عليهم ، وإذ هموا بالبطش برسوله .

والقَدر : العظمة ، وفعل قَدر يفيد أنه عامل بقَدره . فالمعنى : ما عظموه حق تعظيمه إذ أشركوا معه الضعفاء العجز وهو الغالب القوي . وقد تقدّم تفسيره في قوله { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } في [ سورة الأنعام : 91 ] .

وجملة { إن الله لقوي عزيز } تعليل لمضمون الجملة قبلها ، فإن ما أشركوهم مع الله في العبادة كل ضعيف ذليل فما قدروه حق قدره لأنه قوي عزيز فكيف يشاركه الضعيف الذليل . والعدول عن أن يقال : ما قَدرتم الله حقّ قدره ، إلى أسلوب الغيبة ، التفات تعريضاً بهم بأنّهم ليسوا أهلاً للمخاطبة توبيخاً لهم ، وبذلك يندمج في قوله : { إن الله لقوي عزيز } تهديد لهم بأنه ينتقم منهم على وقاحتهم .

وتوكيد الجملة بحرف التوكيد ولام الابتداء مع أن مضمونها مما لا يختلف فيه لتنزيل علمهم بذلك منزلة الإنكار لأنهم لم يَجروا على موجَب العلم حين أشركوا مع القوي العزيز ضعفاء أذلة .

والقويّ : من أسمائه تعالى . وهو مستعمل في القدرة على كلّ مراد له . والعزيز : من أسمائه ، وهو بمعنى : الغالب لكلّ معاند .