( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم . كذبوا بآيات ربهم ، فأهلكناهم بذنوبهم ، وأغرقنا آل فرعون . وكل كانوا ظالمين ) .
لقد أهلكهم الله بعد التكذيب بآياته . ولم يهلكهم قبلها سبحانه - مع أنهم كانوا كافرين - لأن هذه سنته ورحمته : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) . . وهو يعبر هنا عن آل فرعون والذين من قبلهم من أمثالهم الذين كذبوا بآيات الله فأهلكهم . . بأنهم ( كانوا ظالمين ) . . مستخدماً لفظ " الظلم " بمعنى " الكفر " أو " الشرك " وهذا هو الاستعمال الغالب في القرآن . .
ولا بد أن نقف قليلاً عند نص هذه الآية :
( ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . .
إنه ، من جانب ، يقرر عدل الله في معاملة العباد ؛ فلا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم ، ويبدلوا سلوكهم ، ويقلبوا أوضاعهم ، ويستحقوا أن يغير ما بهم مما أعطاهم إياه للابتلاء والاختبار من النعمة التي لم يقدروها ولم يشكروها . . ومن الجانب الآخر يكرم هذا المخلوق الإنساني أكبر تكريم ، حين يجعل قدر الله به ينفذ ويجري عن طريق حركة هذا الإنسان وعمله ؛ ويجعل التغيير القدري في حياة الناس مبنياً على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وعملهم ، وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم . . ومن الجانب الثالث يلقي تبعة عظيمة - تقابل التكريم العظيم - على هذا الكائن . فهو يملك أن يستبقي نعمة الله عليه ويملك أن يزاد عليها ، إذا هو عرف فشكر ؛ كما يملك أن يزيل هذه النعمة عنه إذا هو أنكر وبطر ، وانحرفت نواياه فانحرفت خطاه .
وهذه الحقيقة الكبيرة تمثل جانباً من جوانب " التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان " ؛ وعلاقة قدر الله به في هذا الوجود ؛ وعلاقته هو بهذا الكون وما يجري فيه . . ومن هذا الجانب يتبين تقدير هذا الكائن في ميزان الله ؛ وتكريمه بهذا التقدير ؛ كما تتبين فاعلية الإنسان في مصير نفسه وفي مصير الأحداث من حوله ؛ فيبدو عنصراً إيجابياً في صياغة هذا المصير - بإذن الله وقدره الذي يجري من خلال حركته وعمله ونيته وسلوكه - وتنتفي عنه تلك السلبية الذليلة التي تفرضها عليه المذاهب المادية ، التي تصوره عنصراً سلبياً إزاء الحتميات الجبارة . حتمية الاقتصاد ، وحتمية التاريخ ، وحتمية التطور . . . إلى آخر الحتميات التي ليس للكائن الإنساني إزاءها حول ولا قوة ، ولا يملك إلا الخضوع المطلق لما تفرضه عليه وهو ضائع خانع مذلول !
كذلك تصور هذه الحقيقة ذلك التلازم بين العمل والجزاء في حياة هذا الكائن ونشاطه ؛ وتصور عدل الله المطلق ، في جعل هذا التلازم سنة من سننه يجري بها قدره ، ولا يظلم فيها عبد من عبيده :
( فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين ) . .
( ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
القول في تأويل قوله تعالى : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذّبُواْ بآيَاتِ رَبّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلّ كَانُواْ ظَالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : غَيّر هؤلاء المشركون بالله المقتولون ببدر ، نعمة ربهم التي أنعم بها عليهم ، بابتعاثه محمدا منهم وبين أظهرهم ، داعيا لهم إلى الهدى ، بتكذيبهم إياه وحربهم له . كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ : كسنة آل فرعون وعادتهم ، وفعلهم بموسى نبيّ الله في تكذيبهم إياه ، وتصديهم لحربه وعادة من قبلهم من الأمم المكذبة رسلها وصنيعهم . فأهْلَكْناهُمْ بِذُنُوِبهِمْ بعضا بالرجفة ، وبعضا بالخسف ، وبعضا بالريح . وأغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ في اليم . وكُلّ كانُوا ظالِمِينَ يقول : كل هؤلاء الأمم التي أهلكناها كانوا فاعلين ما لم يكن لهم فعله من تكذيبهم رسل الله والجحود لاَياته ، فكذلك أهلكنا هؤلاء الذين أهلكناهم ببدر ، إذ غيّروا نعمة الله عندهم بالقتل بالسيف ، وأذللنا بعضهم بالإسار والسّباء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.