مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (54)

المسألة الثالثة : أنه تعالى ذكر مرة أخرى قوله تعالى : { كدأب آل فرعون } ذكروا فيه وجوها كثيرة : الأول : أن الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول ، لأن الكلام الأول فيه ذكر أخذهم ، وفي الثاني ذكر إغراقهم وذلك تفصيل . والثاني : أنه أريد بالأول ما نزل بهم من العقوبة في حال الموت ، وبالثاني ما ينزل بهم في القبر في الآخرة . الثالث : أن الكلام الأول هو قوله : { كفروا بآيات الله } والكلام الثاني هو قوله : { كذبوا بآيات ربهم } فالأول إشارة إلى أنهم أنكروا الدلائل الإلهية ، والثاني إشارة إلى أنه سبحانه رباهم وأنعم عليهم بالوجوه الكثيرة ، فأنكروا دلائل التربية والإحسان مع كثرتها وتواليها عليهم ، فكان الأثر اللازم من الأول هو الأخذ والأثر اللازم من الثاني هو الإهلاك والإغراق ، وذلك يدل على أن لكفران النعمة أثرا عظيما في حصول الهلاك والبوار ، ثم ختم تعالى الكلام بقوله : { وكل كانوا ظالمين } والمراد منه أنهم كانوا ظالمي أنفسهم بالكفر والمعصية ، وظالمي سائر الناس بسبب الإيذاء والإيحاش ، وأن الله تعالى إنما هلكهم بسبب ظلمهم ، وأقول في هذا المقام اللهم أهلك الظالمين وطهر وجه الأرض منهم فقد عظمت فتنتهم وكثر شرهم ، ولا يقدر أحد على دفعهم إلا أنت ، فادفع يا قهار يا جبار يا منتقم .