الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (54)

قوله تعالى : { كَدَأْبِ } : قال قومٌ : " هو تكريرٌ للأول " . وقال قوم : كُرِّر لغير تأكيد لوجوهٍ منها : أن الأول دَأْبٌ في أن هلكوا لمَّا كفروا ، وهذا دَأْبٌ في أَنْ لم يغير الله نعمتهم حتى غَيَّروها هم ، قاله ابن عطية . ومنها : أن الثاني جارٍ مجرى التفصيل الأول فإن الأولَ متضمِّنٌ لذِكْرِ إجرامهم والثاني متضمِّنٌ لذكر إغراقهم ، وفي الأولى ما يَنْزِل بهم حالَ الموت من العقوبة ، وفي الثاني ما يَحُلُّ بهم من العذاب في الآخرة ، وجاء في الأولى بآيات الله إشارةً إلى إنكارِ ذِكْر دلائلِ الإِلهيَّة . وفي الثاني بآيات ربهم إشارةً إلى إنكارهم مَنْ رَبَّاهم وأحسنَ إليهم . وقال الكرماني : " يُحتمل أن يكون الضمير في " كفروا " في الآية الأولى عائداً على قريش ، والضمير في " كذَّبوا " في الثانية عائداً على آلِ فرعون ومَنْ ذُكِر معهم " .

قوله : { وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ } جُمِع الضميرُ في " كانوا " وجُمع " ظالمين " مراعاةً لمعنى " كل " ؛ لأنَّ " كلاً " متى قُطعت عن الإِضافة جاز مراعاةُ لفظِها تارةً ومعناها أخرى ، وإنما اختير هنا مراعاةُ المعنى لأجلِ الفواصلِ ، ولو رُوعي اللفظُ فقيل مثلاً : وكلٌّ كان ظالماً لم تتَّفق الفواصل .