54 – { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ } .
تؤكد هذه الآية ، ما سبق في الآيتين السابقتين ؛ وهو التكرير لأهمية الموضوع ، وبيان قاعدة أساسية إلهية ، عادلة عمادها : أن نمو الأمم في قوة أخلاقها ، وسلامة أفعالها . وأن هلاك الأمم يكون في كفرها بالنعم ، وانشغالها بالشهوات والملذات ، وإيثار العاجلة على الآجلة .
شأن هؤلاء المشركين الذين حاربوك يا محمد ، كشأن آل فرعون ومن تقدمهم من الأقوام السابقة ، كقوم نوح وقوم هود . . . كذب أولئك جميعا بآيات ربهم التي أوجدها لسعادتهم ، فكان من نتيجة ذلك أن أهلكهم بذنوبهم التي من جملتها التكذيب ، وأغرق الله آل فرعون ، الذين زينوا له الكفر والبطر والطغيان ، وأرسل الريح على عاد قوم هود ، والصيحة على غيرهم .
أي : أن كلا من مشركي قريش ، وآل فرعون والذين من قبلهم من المكذبين ، كانوا ظالمين لأنفسهم بكفرهم وعنادهم ، ولأنبيائهم بسبب محاربتهم وتكذيبهم ؛ فاستحقوا الهلاك والعذاب .
وفي سورة العنكبوت ، استعرض القرآن الكريم أمم المكذبين من قوم لوط ، وأصحاب مدين ثم قال سبحانه :
{ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين * وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين * فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } . ( العنكبوت : 38 – 40 ) .
تكرر ذكر فرعون في آيات متقاربة ؛ لأنه أكثر بغيا وظلما وعدوانا ، وقد استخف قومه وطلب منهم طاعته ، فأطاعوه نفاقا لا يقينا ، ثم أغرق الله الجميع عقابا عادلا .
روى البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " xlv .
وقد ورد في السيرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه خبر مقتل أبي جهل في بدر ؛ ذهب حتى وقف عليه ثم قال : هذا فرعون هذه الأمةxlvi .
إن ما دونه التاريخ من دأب الأمم وعادتها ، في الكفر والتكذيب ، والظلم في الأرض ، ومن عقاب الله إياها . جار على سنته تعالى المطردة في الأمم ، ولا يظلم ربك أحدا بسلب نعمة منهم ، ولا بإيقاع أذى بهم ، وإنما عقابه لهم أثر طبيعي ؛ لكفرهم وظلمهم لأنفسهم ، وقد حكى سبحانه جانبا من عناد فرعون ثم قال سبحانه :
{ فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين } . ( الزخرف : 54 – 56 ) .
أي : أن الله جعل منهم عبرة ونموذجا لكل ظالم يأتي في الآخرين من بعدهم .
قال تعالى : { ولا يظلم ربك أحدا } . ( الكهف : 49 ) .
قال سبحانه : { إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون } . ( يونس : 44 ) .
جاء في حاشية الجمل على تفسير الجمل ما يأتي :
فإن قلت : ما الفائدة من تكرير هذه الآية مرة ثانية ؟
1 – أن الكلام الثاني يجري التفصيل للكلام الأول ؛ لأن في الآية الأولى ذكر : أخذهم ، والثانية ذكر : إغراقهم فذلك تفسير للأول .
2 – ومنها : أنه ذكر في الآية الأولى : أنهم كفروا بآيات الله ، وفي الآية الثانية أنهم كذبوا بآيات ربهم ، ففي الآية الأولى إشارة إلى أنهم كفروا بآيات الله وجحودها .
وفي الثانية إشارة إلى أنهم كذبوا بها مع جحودهم لها ، وكفرهم بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.