نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (54)

فلما جاءتهم الرسل وأوضحوا لهم الأمر إيضاحاً{[35156]} ليس معه لبس فكذبوهم ، غيروا ما كان{[35157]} في نفوسهم مما كانوا يزعمون ؛ ثم كرر قوله : { كدأب آل فرعون } أي فرعون وقومه فإنهم أتباعه فلا يخيل{[35158]} انهم يفعلون شيئاً إلا وهو قائدهم فيه { والذين من قبلهم } - لدقيقة ، وهي أنه قد تقدم أنه ما{[35159]} من أمة إلا ابتليت بالضراء والسراء ، فالأولى ينظر إليها مقام الإلهية الناظر إلى العظمة والكبرياء والقهر والانتقام ، والثانية ثمرة مقام الربوبية الناشىء عنه التودد والرحمة والرأفه والإكرام ، لذا عبر في الأولى باسم الذات الجامع لجميع الصفات الذي لفظه - عند من يقول باشتقاقه - موضوع لمعنى الإلهية إشارة إلى أنهم أعرضوا في حال الضراء عن التصديق وعاملوا بالتجلد والإصرار ، ولذا عبر في هذه الثانية باسم الرب فقال : { كذبوا } أي عناداً زيادة على تغطية ما دل عليه العقل بالتكذيب بالنقل { بآيات ربهم } فأشار بذلك إلى بطرهم بالنعم وتكذيبهم أنها بسبب دعاء الرسل .

ولما أشار بالتعبير به إلى أنه غرهم معاملته بالعطف والإحسان ، قال : { فأهلكناهم } أي جميعاً { بذنوبهم وأغرقنا } فأتى بنون العظمه{[35160]} إشارة إلى أنه أتاهم بما أنساهم{[35161]} ذلك البر { آل فرعون } و{[35162]} إشارة إلى أنهم نسوا أن الرب كما أنه يتصف بالرحمة فلا بد أن يتصف بالعظمة والنقمة وإلا لم تتم ربوبيته ، وهذا واضح مما تقدم في الأعراف عن التوراة في شرح

{ فأرسلنا عليهم الطوفان }{[35163]}[ الأعراف : 133 ] - إلى آخرها ، من أن فرعون كان يسأل{[35164]} موسى عليه السلام عند كل نازلة الدعاء برفعها معتلاً بأن الرب ذو حلم وأناة و{[35165]} رحمة ، وقدم الأولى إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في الجرأة ، والتعبير فيها ب { كفروا } يؤيد لذلك ، أي أن مجرد الستر للآيات بالإعراض عنها كافٍ في إيجاب الانتقام ولو لم يصرح بتكذيب لعظم المقام ، ومادة كفر - بأيّ ترتيبة كان{[35166]} - تدور على الخلطة المميلة المحيلة ، وبخصوص هذا الترتيب تدور على الستر ، أي غطوا{[35167]} التصديق بآيات ربهم ، ويجوز - وهوالأحسن - أن يكون دورانها - مطلقاً لا بقيد ترتيب - على الفكر{[35168]} ، وهو إرسال عين البصيرة في طلب أمر ويلزمه الكشف والستر لأنه تارة يرفع أذيال الشبه {[35169]}عن ذلك الأمر فينجلي ويتحقق ، وتارة يسلط قواطع الأدلة عليه فينعدم ويتمحق ، وربما أرخى أذيال الشبه{[35170]} عليه فأخفى بعد أن كان جلياً كما كان شمرها عنه فألقى وقد كان خفياً .

ولما أخبر سبحانه بهلاكهم ، أخبر بالوصف الجامع لهم بالهلاك فقال : { وكل } أي من هؤلاء ومن تقدمهم من آل فرعون ومن قبلهم { كانوا } أي جبلة وطبعاً { ظالمين * } أي{[35171]} لأنفسهم وغيرهم واضعين الآيات في غير مواضعها وهم يظنون بأنفسهم العدل ؛


[35156]:في ظ: أيضا.
[35157]:سقط من ظ.
[35158]:في ظ: يتخيل.
[35159]:زيد من ظ.
[35160]:زيد بعده في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[35161]:في ظ: نساهم.
[35162]:سقط من ظ.
[35163]:آية 133.
[35164]:من ظ، وفي الأصل: يرسل.
[35165]:زيد من ظ.
[35166]:من ظ، وفي الأصل: كانت.
[35167]:في ظ: غلطوا.
[35168]:من ظ، وفي الأصل: الكفر.
[35169]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[35170]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[35171]:سقط من ظ.