في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

33

ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة بعد تلك الجولات مع المشركين في الكون والتاريخ وفي ذوات أنفسهم وفي أطوار حياتهم ، ثم هم بعد ذلك كله يكفرون ويتطاولون . . يأتي الإيقاع الأخير في صورة توجيه لقلب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه من المؤمنين :

( فاصبر إن وعد الله حق ، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) . .

إنه الصبر وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلا نهاية ! والثقة بوعد الله الحق ، والثبات بلا قلق ولا زعزعة ولا حيرة ولا شكوك . . الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين ، ومن تكذيبهم للحق وشكهم في وعد الله . ذلك أنهم محجوبون عن العلم محرومون من أسباب اليقين . فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين . مهما يطل هذا الطريق ، ومهما تحتجب نهايته وراء الضباب والغيوم !

وهكذا تختم السورة التي بدأت بوعد الله في نصر الروم بعد بضع سنين ، ونصر المؤمنين . تختم بالصبر حتى يأتي وعد الله ؛ والصبر كذلك على محاولات الاستخفاف والزعزعة من الذين لا يوقنون .

فيتناسق البدء والختام . وتنتهي السورة وفي القلب منا إيقاع التثبيت القوي بالوعد الصادق الذي لا يكذب ، واليقين الثابت الذي لا يخون . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60)

{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } أي : اصبر على مخالفتهم وعنادهم ، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك ، وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ، { وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } أي : بل اثبت على ما بعثك الله به ، فإنه الحق الذي لا مرية فيه ، ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هُدَى يتبع ، بل الحق كله منحصر فيه .

قال سعيد عن قتادة : نادى رجل من الخوارج عليا ، رضي الله عنه ، وهو في الصلاة – صلاة الغداة - فقال : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الزمر : 65 ] ، فأنصت له علي حتى فهم ما قال ، فأجابه وهو في الصلاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر فقال :

حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شَرِيك ، عن عثمان بن أبي زُرْعَة ، عن علي بن ربيعة قال : نادى رجل من الخوارج عليا وهو في صلاة الفجر ، فقال : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ، فأجابه علي وهو في الصلاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ }{[22912]} .

طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن الجَعْد ، أخبرنا شريك ، عن عمران بن ظَبْيان ، عن أبي تحيا قال : صلى علي{[22913]} رضي الله عنه ، صلاة الفجر ، فناداه رجل من الخوارج : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ، فأجابه علي{[22914]} ، وهو في الصلاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } .

ختام السورة:

[ ما روي في فضل هذه السورة الشريفة ، واستحباب قراءتها في الفجر ]{[1]} :

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، سمعت شبيب - أبا روح - يحدِّث عن رجل{[2]} من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح ، فقرأ فيها الرّوم فأوهم ، فقال : «إنه يلبس علينا القرآن ، فإن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء »{[3]} .

وهذا إسناد حسن ومتن حسن{[4]} وفيه سر عجيب ، ونبأ غريب ، وهو أنه ، عليه السلام{[5]} تأثر بنقصان وضوء من ائتم به ، فدل ذلك أن صلاة المأموم متعلقة{[6]} بصلاة الإمام .

[ آخر تفسير سورة " الروم " ]{[7]} . _


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".
[22912]:- تفسير الطبري (21/38).
[22913]:- في ف، أ: "علي بن أبي طالب".
[22914]:- في ف، أ: "علي بن أبي طالب".