في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ} (16)

ثم يجيء المقطع الثاني في السورة يبدأ بالتلويح بالقسم بمشاهد كونية جميلة ، تختار لها تعبيرات أنيقة . . القسم على طبيعة الوحي ، وصفة الرسول الذي يحمله ، والرسول الذي يتلقاه ، وموقف الناس حياله وفق مشيئة الله :

فلا أقسم بالخنس ، الجوار الكنس ، والليل إذا عسعس ، والصبح إذا تنفس . إنه لقول رسول كريم ، ذي قوة عند ذي العرش مكين ، مطاع ثم أمين . وما صاحبكم بمجنون . ولقد رآه بالأفق المبين ، وما هو على الغيب بضنين . وما هو بقول شيطان رجيم . فأين تذهبون ? إن هو إلا ذكر للعالمين . لمن شاء منكم أن يستقيم . وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين . .

والخنس الجوار الكنس . . هي الكواكب التي تخنس أي ترجع في دورتها الفلكية وتجري وتختفي . والتعبير يخلع عليها حياة رشيقة كحياة الظباء .

وهي تجري وتختبئ في كناسها وترجع من ناحية أخرى . فهناك حياة تنبض من خلال التعبير الرشيق الأنيق عن هذه الكواكب ، وهناك إيحاء شعوري بالجمال في حركتها . في اختفائها وفي ظهورها . في تواريها وفي سفورها . في جريها وفي عودتها . يقابله إيحاء بالجمال في شكل اللفظ وجرسه .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ} (16)

{ الجوار } جمع جارية ؛ من الجري وهو المر السريع . { الكنس } كركع . جمع كانس ؛ من كنس الظبي – من باب نزل – دخل كناسه ، وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر ؛ لأنه يكنس الرمل حتى يصل إليه . أقسم تعالى بالنجوم التي تخنس بالنهار ، أي يغيب ضوءها فيه عن الأبصار مع كونها فوق الأفق ، ويظهر بالليل . وتكنس ، أي تستتر وقت غروبها ، أي نزولها تحت الأفق ؛ كما تكنسي الظباء في كنسها . وإنما أقسم بها لدلالتها بهذه الأحوال المختلفة والحركات المتسقة – على عظيم قدرة مبدعها ومصرفها . وكذلك في القسمين الآخرين . ومن ذلك خلقه ذلك الملك الكريم القوي الأمين ، وإنزاله بالوحي على رسوله العظيم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ} (16)

ثم أبدل منها أعظمها فقال : { الجوار الكنس * } أي السيارة التي تختفي{[71897]} وتغيب بالنهار تحت ضوء الشمس ، من كنس الوحش - إذا دخل كناسه وهو بيته المتخذ من أغصان الشجر ، وقال الرازي : يكنس ويستتر{[71898]} العلوي منها بالسفلي عند القرانات كما تستتر الظباء في الكناس ، وقال قتادة{[71899]} : تسير{[71900]} بالليل وتخنس{[71901]} بالنهار فتخفى ولا ترى ، وروي ذلك أيضاً عن علي رضي الله تعالى عنه ، قال البغوي{[71902]} : وأصل الخنوس الرجوع إلى-{[71903]} وراء والكنوس أن تأوي إلى مكانسها{[71904]} . وقال القشيري : إن ذلك غروبها ، وإنما نفى الإقسام بها-{[71905]} لأنها وإن كانت عظيمة في أنفسها{[71906]} بما ناط بها سبحانه من المصالح وأنتم تعظمونها وتغلون فيها لأن فيها نقائص الغيبوبة و-{[71907]} انبهار النور ، والقرآن المقسم{[71908]} لأجله منزه عن ذلك ، بل هو الغالب على كل ما سواه من الكلام غلبة-{[71909]} هي أعظم من غلبة ضياء الشمس لنور ما سواها من الكواكب ، فلذلك لا يليق أن يقسم بها لأجله .


[71897]:من ظ و م، وفي الأصل: تخفى.
[71898]:من ظ و م، وفي الأصل: يستر.
[71899]:راجع المعالم 7/178.
[71900]:في المعالم: تبدو.
[71901]:من ظ و م، وفي الأصل: تخفى.
[71902]:راجع المعالم 7/178.
[71903]:زيد من م.
[71904]:من ظ و م، وفي الأصل: مكانها.
[71905]:زيد من ظ و م.
[71906]:من ظ و م، وفي الأصل: نفسها.
[71907]:زيد من م.
[71908]:من ظ و م، وفي الأصل: القسم.
[71909]:زيد من م.