الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ} (16)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في" الخُنّس الجوار الكُنّس"؛

فقال بعضهم: هي النجوم الدراريّ الخمسة، تخنِس في مجراها فترجع، وتكنس فتستتر في بيوتها، كما تكنِس الظباء في المغار...

.

وقال آخرون: هي بقر الوحش التي تكنس في كناسها...

.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانا: أي تغيب، وتجري أحيانا وتكنس أخرى، وكنوسها: أن تأوي في مكانسها، والمكانِس عند العرب، هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء...

فالكِناس في كلام العرب ما وصفت، وغير مُنكر أن يُستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء، فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر، ولا البقر دون الظباء، فالصواب أن يُعَمّ بذلك كلّ ما كانت صفته الخنوس أحيانا، والجري أخرى...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الأشياء التي وقع بها القسم تقتضي أحكاما ثلاثة:

أحدها: ما من شيء خلقه الله تعالى إلا وفيه دليل وحدانيته وآية ربوبيته، إذا أمعن النظر فيه.

والثاني: تثبيت علمه وحكمته يدل على قدرته وسلطانه.

والثالث: في تثبيت القدرة والسلطان إيجاب القول بالرسالة، ونهي عن عبادة غير الله. فلو أمعنوا النظر فيها، وتفكروا في أمره أدّاهم ذلك إلى القول بالبعث، ودعاهم إلى وحدانية الرب والإقرار بالرسل، فلا كانوا يدّعون أن معه آلهة أخرى، ولا كانوا ينكرون البعث، ولا يكذبون الرسول. فأقسم بهذه الأشياء على التأكيد بحججه ليعلموا أنه رسول من عنده، أو أن الأوامر من عنده، أو أن يكون القسم تلقينا من الله تعالى لرسوله بأن يقسم لهم بهذه الأشياء ليزيل عنهم الشبه والشكوك التي اعترضت للكفرة في أمره صلى الله عليه وسلم ويدعوهم إلى النظر في حججه وآياته. ثم القسم بما لطف من الأشياء، ودق، وبما كثف، وغلظ، وبما كبر، وصغر، وبما ظهر، وخفي، تتفق كلها في إزالة الشبه وإثبات التوحيد والرسالة والبعث. بل الأعجوبة في ما لطف من الأشياء أعظم منها بما كثف، وغلظ. فأقسم مرة بالكواكب، ومرة بظلمة الليل وما يضحى وبما شاء من خلقه. إن الخلائق كلها في الشهادة على وحدانيته وإثبات ربوبيته وإثبات علمه وقدرته وسلطانه متفقة، ولأن ما لطف من الأشياء، وخفي منها، يتصل بما ظهر منها، فيتضمن ذكر ما خفي منها، واستتر، ذكر ما ظهر منها، وفي ذكر ما ظهر منها ذكر منشئها، فيكون القسم في الحقيقة بالله تعالى...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

معناه النجوم التي تجري في مسيرها ثم تغيب في مغاربها على ما دبره تعالى فيها؛ ففي طلوعها، ثم جريها في مسيرها، ثم غيبتها في مواقفها من الآية العظيمة والدلالة الباهرة المؤدية إلى معرفته تعالى ما لا يخفى على متأمل معرفته وعظيم شأنه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المشهور الظاهر، أنها النجوم الخنس جمع خانس، والخنوس: الانقباض والاستخفاء...

.وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس، ولا شك أن هذه حالة عجيبة وفيها أسرار عظيمة باهرة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وهذه الصفات أريد بها صفات مجازية لأن الجمهور على أن المراد بموصوفاتها الكواكب، وصفن بذلك لأنها تكون في النهار مختفية عن الأنظار فشبهت بالوحشية المختفية في شجر ونحوه، فقيل: الخُنَّس وهو من بديع التشبيه، لأن الخنوس اختفاء الوحش عن أنظار الصيادين ونحوهم دون سكون في كناس، وكذلك الكواكب لأنها لا تُرى في النهار لغلبة شعاع الشمس على أفقها وهي مع ذلك موجودة في مطالعها. وشبه ما يبدو للأنظار من تنقلها في سمت الناظرين للأفق باعتبار اختلاف ما يسامتها من جزء من الكرة الأرضية بخروج الوحش، فشبهت حالة بُدُوّها بعد احتجابها مع كونها كالمتحركة بحالة الوحش تجري بعد خنوسها تشبيه التمثيل. وهو يقتضي أنها صارت مرئية فلذلك عقب بعد ذلك بوصفها بالكُنّس، أي عند غروبها تشبيهاً لغروبها بدخول الظبي أو البقرة الوحشية كِناسها بعد الانتشار والجري. فشبه طلوع الكوكب بخروج الوحشية من كناسها، وشبه تنقل مَرآها للناظر بجري الوحشية عند خروجها من كناسها صباحاً...

والمعروف في إقسام القرآن أن تكون بالأشياء العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى أو الأشياء المباركة...