في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

وبعدئذ يعرض مشهد الناجين والمعذبين ، كأنه حاضر تراه العيون . .

( فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول : هاؤم اقرأوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه . . فهو في عيشة راضية . في جنة عالية . قطوفها دانية . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) .

وأخذ الكتاب باليمين وبالشمال ومن وراء الظهر قد يكون حقيقة مادية ، وقد يكون تمثيلا لغويا جاريا على اصطلاحات اللغة العربية من تعبيرهم عن وجهة الخير باليمين ووجهة الشر بالشمال أو من وراء الظهر . . وسواء كان هذا أو ذاك فالمدلول واحد ، وهو لا يستدعي جدلا يضيع فيه جلال الموقف !

والمشهد المعروض هو مشهد الناجي في ذلك اليوم العصيب ، وهو ينطلق في فرحة غامرة ، بين الجموع الحاشدة ، تملأ الفرحة جوانحه ، وتغلبه على لسانه ، فيهتف : هاؤم اقرؤوا كتابيه . . ثم يذكر في بهجة أنه لم يكن يصدق أنه ناج ، بل كان يتوقع أن يناقش الحساب . . " ومن نوقش الحساب عذب " كما جاء في الأثر : عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " من نوقش الحساب عذب " فقلت : أليس يقول الله تعالى : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا )فقال : " إنما ذلك العرض وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا بشر بن مطر الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم ، عن الأحول ، عن أبي عثمان ، قال : المؤمن يعطى كتابه بيمينه في ستر من الله ، فيقرأ سيئاته ، فكلما قرأ سيئة تغير لونه ، حتى يمر بحسناته فيقرؤها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات . قال : فعند ذلك يقول : هاؤم اقرؤوا كتابيه .

وروى عن عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - قال : إن الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي - أي يظهر - سيئاته في ظهر صحيفته ، فيقول له : أنت عملت هذا ? فيقول : نعم أي رب ! فيقول له : إني لم أفضحك به ، وإني قد غفرت لك . فيقول عند ذلك : هاؤم اقرؤوا كتابيه . إني ظننت أني ملاق حسابيه .

وفي الصحيح من حديث ابن عمر حين سئل عن النجوى ، فقال : " سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " يدني الله العبد يوم القيامة ، فيقرره بذنوبه كلها ، حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله تعالى : إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه . وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين " . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

{ هاؤم } أي خذوا ؛ اسم فعل أمر . والهاء في كتابيه و " حسابيه " وما ماثلهما للسكت ؛ لتظهر فتحة الياء .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

هاؤم : خذوا .

بعد أن قدّم وصفاً رهيباً ليوم القيامة ، وكيف تزول الأرضُ والجبال عن مواقعها وتُدكّ وتنشقّ السماء ، وتقفُ الملائكة على جوانبها ، ويوضع العرشُ ، ويُفتح حسابُ البشر وفي ذلك اليوم لا يخفى على الله شيء ، بعد هذا كله أتى بذِكر صورتين متقابلتين من أحوالِ البشَر ، وهم : السعداءُ أصحاب اليمين ، والأشقياءُ أصحاب الشمال . فأما السعداء فإنهم يتلقَّون كتابَهم بأيمانهم ، ويغدُون مسرورين فرحين ، يعرِضون كُتبَهم على الناس ليقرأوها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

ولما كان من المعلوم أنهم قسمان : محسن ومسيء ، وكان التقدير : فنعطي كلاًّ منكم صحيفة أعماله من أفعاله وأقواله وجميع خلائقه وأحواله ، فمنكم من تدفع إليه في يمينه فتظهر له حسناته وتستر عنه سيئاته ، ومنكم من يعطاها في شماله فتبدو له سيئاته ويمحي ما كان من حسناته ، لأنه أوتي ثوابه في الدنيا بما عجل له من طيباته ، عطف عليه مفصلاً له قوله : { فأما من أوتي } بناه للمفعول لأن دلالة السعادة الوقوع في اليمين لا من معط معين { كتابه } أي الذي أثبت فيه أعماله { بيمينه{[68035]} فيقول } لما رأى من سعادته تبجحاً بحاله وإظهاراً لنعمة ربه لأن الإنسان مطبوع على أن يظهر ما آتاه من خير تكميلاً للذته بكبت{[68036]} أعدائه وتفريح أوليائه ، قيل : إنه تكتب سيئاته في باطن صحيفته وحسناته في ظاهرها ، فيقرأ الباطن ويقرأ الناس الظاهر ، فإذا أنهاه قيل له : قد غفرها الله ، اقلب الصحيفة ، فحينئذ يكون قوله : { هاؤم } أي خذوا أيها الحاضرون من الخلائق الملائكة وغيرهم ، فيها صوت يفهم منه معنى : خذوا ، ويوصل تارة بالكاف وتارة بالهمزة ، اسم فعل ، وإنما اختارها هنا ليعلم أن خطابها لجميع أهل الموقف{[68037]} من كان منهم باطناً من الملائكة والجن وغيرهم ، ومن كان منهم ظاهراً لأن الألف عند الربانيين غيب وإحاطة كما دل عليها مخرجها ، فهي عبارة عندهم عن القائم الأعلى المحيط ، وروي معنى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، والهمزة {[68038]}بدء غيبه{[68039]} ولذا كان مخرجها أقصى الحروف الحلقية دلالة على ذلك ، وبدء غيب الله سبحانه وتعالى أفعاله وهي تشمل الظاهر والخفي {[68040]}أصلها الكاف{[68041]} فهي عندهم ظهور متكامل ذو استقلال ، وهو من يكون من شأنه الظهور ، وأبناء الجنس أحق بهذا{[68042]} ، وقد دل على ذلك مخرج الكاف الذي بعد القاف من أصل اللسان الأقرب إلى وسطه ، ومفعول " ما " محذوف عند البصريين دل عليه " كتابيه {[68043]} " من قوله : { اقرءوا كتابيه * } وهاؤه للسكت ، كأنها إشارة إلى شدة الكرب في ذلك اليوم للدلالة على أنه إذا كان هذا السعيد يسكت في كل جملة للاستراحة لا يقدر في الكلام على المضي فما الظن بغيره ، وتشير{[68044]} أيضاً مع ذلك إلى فراغ الأمر ونجازة الجزم{[68045]} به والوثوق بأنه لا يغير .


[68035]:- وقع في الأصل بعد "كتابه" والترتيب من ظ وم.
[68036]:- من ظ وم، وفي الأصل: بتكتب.
[68037]:- من ظ وم، وفي الأصل: الوقف.
[68038]:- من ظ وم، وفي الأصل: به عيبه-كذا.
[68039]:- من ظ وم، وفي الأصل: به عيبه-كذا.
[68040]:- من ظ وم، وفي الأصل: لما الكافل.
[68041]:- من ظ وم، وفي الأصل: لما الكافل.
[68042]:- من ظ وم، وفي الأصل: لهذا.
[68043]:- من ظ وم، وفي الأصل: كتابه.
[68044]:- من ظ وم، وفي الأصل: فسر.
[68045]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأمر.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ( 19 ) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ( 20 ) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ( 21 ) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ( 22 ) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ( 23 ) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ( 24 ) }

فأمَّا من أُعطي كتاب أعماله بيمينه ، فيقول ابتهاجًا وسرورًا : خذوا اقرؤوا كتابي ،