قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } ، وهذا دليلٌ على النجاة .
قال ابن عباسٍ : أول من يُعْطَى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمرُ بن الخطاب ، وله شعاعٌ كشعاع الشمس ، وقيل له : فأين أبو بكر ، فقال : هيهات ، زفَّته الملائكةُ إلى الجنَّة{[57789]} .
قال القرطبي{[57790]} : وقد ذكرناه مرفوعاً من حديث زيد بن ثابت بلفظه ، ومعناه في كتاب «التذكرة » .
قوله : «هَاؤمَ » ، أي : خذوا { اقرؤا كِتَابيَهْ } يقول ذلك ثقة بالإسلام وسروراً بنجاته ؛ لأن اليمين عند العرب من دلائلِ الفرح .
4848 - إذَا مَا رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ***لقَّاهَا عَرابَةُ باليَميْنِ{[57791]}
4849 - أبِينِي أفِي يُمْنَى يَدَيْكِ جَعَلْتِنِي*** فأفْرَحُ أمْ صيَّدْتِنِي بِشمَالِكِ{[57792]}
وقال ابن زيدٍ : معنى : «هَاؤمُ » : تعالوا{[57793]} ، فتتعدى ب «إلى » .
وقال مقاتلُ : «هَلُمَّ »{[57794]} .
وقيل : خذوا ، ومنه الحديث في الربا : «إلا هَاء وهَاءَ » ، أي : يقول كل واحد لصاحبه : خُذْ ، وهذا هو المشهورُ .
وقيل : هي كلمةٌ وضعت لإجابة الدَّاعي عند الفرح ، والنَّشاط .
وفي الحديث : «أنَّه نَاداهُ أعرَابِيٌّ بصَوْتٍ عَالٍ ، فأجَابَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم " هَاؤمُ " يطول صوته » .
وزعم هؤلاء أنها مركبة من هاء التنبيه ، وأموا ، من الأم ، وهو القصدُ ، فصيره التخفيف والاستعمال إلى «هاؤم » .
وقيل : «الميمُ » ضميرُ جماعةِ الذكور .
وزعم القتيبي : أنَّ «الهمزة » بدلٌ من «الكاف » .
فإن عنى أنها تحلُّ محلَّها فصحيح ، وإن عنى البدل الصناعي فليس بصحيح .
فقوله : «هاؤم » يطلب مفعولاً يتعدى إليه بنفسه إن كان بمعنى : «خُذْ » أو «اقْصِد إليّ » إن كان بمعنى : «تَعَالَوْا » ، و «اقرأوا » يطلبه أيضاً ، فقد تنازعا في : «كِتَابِيَه » وأعمل الثاني للحذف من الأول .
وقد تقدم تحقيق هذا في سورة «الكهف » .
وفيها لغاتٌ : وذلك أنها تكون فعلاً صريحاً ، وتكون اسم فعل ، ومعناها في الحالين : «خذ » فإن كانت اسم فعلٍ ، وهي المذكورة في الآية الكريمة ، ففيها لغتان : المدّ والقصر تقول : «هَا درهماً يا زيدُ ، وهاء درهماً » ، ويكونان كذلك في الأحوال كلها من إفراد وتثنيةٍ وجمعٍ وتذكيرٍ وتأنيثٍ ، ويتصل بهما كافُ الخطاب ، اتصالها باسم الإشارة ، فتطابق مخاطبك بحسب الواقع مطابقتها وهي ضميره ، نحو : «هَاكَ ، هَاكِ ، هاءَكَ » إلى آخره .
وتخلف كافُ الخطابِ همزة «هاءَ » مصرفة تصرف كاف الخطاب ، فتقول : «هَاءَ يا زيدُ ، هاءِ يا هندُ ، هاؤما ، هاؤم ، هاؤن » وهي لغةُ القرآن .
وإذا كانت فعلاً صريحاً ؛ لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها كان فيها ثلاثة لغاتٍ :
إحداها : أن يكون مثل «عَاطَى يُعَاطِي » ، فيقال : «هاء يا زيدُ ، هائِي يا هندُ ، هائيَا يا زيدان أو يا هنداتُ ، هاءوا يا زيدون ، هائين يا هنداتُ » .
الثانية : أن تكون مثل : «هَبْ » فيقال : «هَأ ، هِىء ، هَاءَا ، هِئُوا ، هِئْنَ » ، مثل : «هَبْ ، هِبِي ، هِبَا ، هِبُوا ، هِبْنَ » .
الثالثة : أن تكون مثل : «خَفْ » أمراً من الخوف ، فيقال : «هَأْ ، هَائِي ، هَاءَا ، هَاءُوا ، هَأنَ » ، مثل : «خَفْ ، خَافِي ، خَافَا ، خَافُوا ، خفْنَ » .
قوله : «كتابيه » . منصوب ب «هاؤم » عند الكوفيين ، وعند البصريين ب «اقرأوا » ؛ لأنه أقربُ العاملين ، والأصل «كتابي » فأدخل «الهاء » لتبين فتحة «الياءِ » و «الهاء » في «كتابيه » و «حسابيه » و «سلطانيه » و «ماليه » للسكتِ ، وكان حقُّها أن تحذف وصلاً وتثبت وقفاً ، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف ، أو وصل بنية الوقف في «كتابيه » و «حسابيه » اتفاقاً ، فأثبت «الهاء » .
وكذلك في «مَاليَه » و «سلطانيه » و { مَا هِيَهْ }[ القارعة : 10 ] في القارعة ، عند القُرَّاء كلهم إلا حمزة ، فإنه حذف الهاء من هذه الكلم الثلاث وصلاً ، وأثبتها وقفاً ؛ لأنها في الوقف يحتاج إليها ؛ لتحصينِ حركةِ الموقوفِ عليه ، وفي الوصل يستغنى عنها .
فإن قيل : فَلِمَ لم يفعل ذلك في «كتابيه » و «حسابيه » ؟ .
فالجواب : أنه جمع بين اللغتين ، هذا في القراءات السبعِ{[57795]} .
وقرأ ابن محيصن{[57796]} : بحذفها في الكلم كلِّها وصلاً ووقفاً إلا في «القارعة » ، فإنه لم يتحقق عنه فيها نقل .
وقرأ الأعمشُ ، وابن أبي إسحاق{[57797]} : بحذفها فيهن وصلاً ، وإثباتها وقفاً .
وابن محيصن : يسكنُ الهاء في الكلم المذكورة بغيرها .
والحق أنها قراءةٌ صحيحةٌ ، أعني ثبوت هاء السكتِ وصلاً ؛ لثبوتها في خط المصحف الكريم ، ولا يلتفت إلى قول الزهراوي إن إثباتها في الوصل لحن لا أعلم أحداً يجيزه . وقد تقدم الكلام على هاء السكت في البقرة والأنعام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.