السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

قال تعالى : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } أي : الذي أثبتت فيه أعماله { فيقول } لما رأى من سعادته تبجعاً بحاله وإظهاراً لنعمة ربه ؛ لأن الإنسان مطبوع على أن يظهر ما آتاه الله تعالى من خير تكميلاً للذته قيل : إنه تكتب سيئاته في باطن صحيفته وحسناته في ظاهرها فيقرأ الباطن ويقرأ الناس الظاهر ، فإذا أنهاه قيل له : قد غفرها الله تعالى اقلب الصحيفة ، فحينئذ يكون قوله : { هاؤم اقرؤوا } أي : خذوا اقرؤوا { كتابيه } يقول ذلك ثقة بالإسلام وسروراً بنجاته ؛ لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح قال الشاعر :

إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين

قال ابن عباس رضي الله عنهما : أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله شعاع كشعاع الشمس قيل : فأين أبو بكر ؟ قال : هيهات زفته الملائكة إلى الجنة ، وقال ابن زيد : معنى هاؤم : تعالوا ، فيتعدى بإلى . وقال مقاتل : هلمّ ، وقال غيره : خذوا ، ومنه الحديث في الربا «إلا هاء وهاء » ، أي : يقول كل لصاحبه : خذ ، وهذا هو المشهور ، ولذلك فسرت به الآية الكريمة . وقيل : هي كلمة وضعت لإجابة الداعي عند الفرح والنشاط ، وفي الحديث «أنه صلى الله عليه وسلم ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم هاؤم بصولة صوته » . وقيل : معناها اقصروا وزعم هؤلاء أنها مركبة من ها التنبيه وأموا أمر من الأمّ وهو القصد فصيّره التخفيف والاستعمال إلى هاؤم ، وقيل : الميم ضمير جماعة الذكور وزعم العتبي أن الهمزة بدل من الكاف ، قال ابن عادل : فإن عنى أنها تحل محلها فصحيح ، وإن عني البدل الصناعي فليس بصحيح .

تنبيه : كتابيه منصوب بهاؤم عند الكوفيين ، وعند البصريين باقرؤوا لأنه أقرب العاملين ، والأصل : كتابي فأدخل الهاء لتتبين صحة الياء والهاء في { كتابيه } و { حسابيه } و { سلطانيه } و { ماليه } للسكت وكان حقها أن تحذف وصلاً وتثبت وقفاً ، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف أو وصل بنية الوقف في كتابيه وحسابيه اتفاقاً ، فأثبت الهاء وكذا في { ماليه } [ الحاقة : 28 ] و{ سلطانيه } [ الحاقة : 29 ] و{ ماهيه } [ القارعة : 10 ] في القارعة عند القراء كلهم إلا حمزة ، فإنه حذف الهاء من هذه الكلم الثلاثة وصلاً وأثبتها وقفاً ؛ لأنها في الوقف محتاج إليها لتحصين حركة الموقوف عليه ، وفي الوصل مستغنى عنها .

فإن قيل : فلم لم يفعل ذلك في { كتابيه } و { حسابيه } ؟ أجيب : بأنه جمع بين اللغتين .