الآية 19 وقوله تعالى : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } ظاهر ما جرى به الخطاب في القرآن يوجب أن يرحم المؤمنون جميعا ، فلا يعذبوا {[21925]} في الآخرة ويعذب الكافرون ، ولا يرحموا {[21926]} لأنه قسم الخلق يوم القيامة صنفين : فجعل صنفا منهم أهل اليمين ، وصنفا أهل الشمال ، ثم وصف كل واحد من الصنفين بأعلام ثلاثة :
فذكر مرة أنه يخف ميزانهم بقوله : { ومن خفت موازينه } [ الأعراف : 9 و . . ] وذكر مرة أن وجوههم تسود ، وذكر مرة أنهم يعطون كتابهم بشمالهم . فهذه الأعلام ذكرها في أحد الصنفين .
وذكر {[21927]} الصنف الثاني ، ووصفهم بأعلام ثلاثة : ببياض الوجوه وبثقل الميزان وبإعطاء الكتاب بأيمانهم .
ثم في ما فيه سواد الوجوه ذكر فيه : { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } .
[ آل عمران : 106 ] وكذلك حين ذكر خفة الميزان ذكر في آخره ما يبين أن الذين خفت موازينهم هم الكفرة لأنه قال : { ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون } [ المؤمنون : 105 ] .
وذكر في إعطاء الكتاب بشماله{[21928]} ما يبين أنه من أهل الكفر لأنه قال : { إنه كان لا يؤمن بالله العظيم } { ولا يحض على طعام المسكين } [ الحاقة 33و 34 ] .
فثبت أن الوعيد المطلق ذكر في أهل الكفر ، وكذلك قال : { واتقوا النار 592- ب/ التي أعدت للكافرين } [ آل عمران 131 ] ولم يقل أعدت للخلق ، وقال : { وجنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } [ آل عمران : 133 ] فثبت أن أهل النار هم الكفار .
ثم المؤمنون قد يعترض منهم زلات ومآثم في هذه الدنيا ، والكفار تؤخذ منهم المحاسن فيها ، ولكن أهل الكفر يجزون جزاء حسناتهم لأنهم لا يؤمنون بالآخرة . وإذا لم يؤمنوا بها لم يقع سعيهم لها ، وأمكن أن يكون المؤمن يجعل له العقاب بسيئاته في الدنيا ، فتخلص له الحسنات في الآخرة فيجزى بها ، وجائز أن تكفر سيئاته بالحسنات التي تؤخذ منه لأن المحاسن جعلت سببا لتكفير المساوئ ؛ قال تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } [ هود : 114 ] وإذا كفرت سيئاته في الدنيا لم يعذب بها في الآخرة .
وجائز أن يكون الله تعالى يعذبهم بقدر ذنوبهم ، ثم يعفو عنهم بحسناتهم التي سبقت منهم من الإيمان وغير ذلك .
فكل مؤمن في الحقيقة آخره الجنة ، ويثقل ميزانه ، ويبيض وجهه ، ويعطى كتابه بيمينه [ ثم ] {[21929]}يجوز أن يكون الذي يعاقب بذنوبه من أهل الإيمان ، يعاقب بها {[21930]} قبل أن يعطي كتابه بيمينه ، ويثقل ميزانه ، وقبل أن يبيض وجهه لم يكن مسود الوجه {[21931]} ، ولكن على ما عليه في الدنيا .
ثم متى عفي عنه في الخبر " أن الناس يعرضون يوم القيامة على ثلاث عرضات فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير ، وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي [ الترمذي : 2425 ] .
فيجوز أن يكون تعذيبه قبل العرضة الثالثة ، ثم يعطي كتابه في العرضة الثالثة بيمينه ، فتظهر له أعلام السعادة إذ ذاك .
فإذا ثبت أن الوعيد المطلق إنما جاء في أهل الكفر لم يلحق أهل الكبائر من أهل الإيمان بهم في الحكم ، بل وجب الوقف في حالهم كما قال أصحابنا ، والله الموفق .
وقوله تعالى : { فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه } قال بعضهم : { هاؤم } تعالوا ، وقال بعضهم : هو بمعنى هاكم ، أي خذوا ، فأبدلت الهمزة مكان الكاف .
فظاهر الآية أن المعطي له الكتاب بقول : هذا ، يدعو الخلق ، ويناولهم الكتاب استبشارا وحبورا ، فبشرهم بعفو الله تعالى عنه ورحمته عليه .
ولكن أهل التأويل صرفوا التأويل إلى المعطي ، فقالوا : هو الذي يقول هذا ، فكان الذي يقول : كتب الكتاب في الدنيا ، من الملك ، وهو الذي يعطي الكتاب إلى المكتوب إليه ، ويقول : { هاؤم اقرؤوا كتابيه } أي خذوا واقرؤوا ما كتبت لكم وعليكم ، والله اعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.