في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

هذا المطلع بإيقاعاته تلك ، يدع القلوب في حساسية مرهفة للتلقي . ومن ثم يجيء الهتاف لها بالإيمان والبذل في أنسب أوان . وقد تفتحت مداخلها ، وتوفزت مشاعرها ، واستعدت للاستماع . وهنا يجيء ذلك الهتاف في المقطع التالي في السياق . ولكنه لا يجيء مجردا . إنما يجيء ومعه مؤثراته وإيقاعاته ولمساته :

( آمنوا بالله ورسوله ، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير . وما لكم لا تؤمنون بالله ، والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ، وقد أخذ ميثاقكم ? إن كنتم مؤمنين . هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور ، وإن الله بكم لرؤوف رحيم . وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض ? لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ، والله بما تعملون خبير ) . .

إن الله - سبحانه - يخاطب القلوب التي خلقها ، فهو يعلم أحوالها ، ويعرف مداخلها ، ويطلع على خوافيها . . وهو يعلم أن نقاء العقيدة ، وخلوص القلب ، واستقرار حقيقة الإيمان استقرارا تنبثق منه آثاره ونتائجه في واقع الحياة ، من بذل وتضحية وتقدمة خالصة لله . أن هذا أمر يكلف الطاقة البشرية كثيرا ؛ ويحتاج منها إلى جهد ومجاهدة طويلة . ومن ثم يحشد لها هذه الإيقاعات وهذه المؤثرات ؛ ويكشف لها عن الحقائق الكونية لتراها وتتأثر بها ، وتزن كل شيء بميزانها الكبير الدقيق . ويعالجها المرة بعد المرة ، والخطوة بعد الخطوة ؛

ولا يكلها إلى هتاف واحد ، أو بيان واحد ، أو مؤثر واحد يوقع على أوتارها ثم يغيب . . ومنهج القرآن الإلهي في علاج القلوب جدير بأن يقف الدعاة إلى الله أمامه طويلا ؛ ليتدبروه ويحاولوا أن يقلدوه !

إن الإيقاعات الأولى في مطلع السورة من القوة والتوالي والعمق والتأثير ، بحيث تزلزل القلوب الجامدة ، وتلين القلوب القاسية ، وتدعها مرهفة الحساسية . ولكن القرآن لا يكل قلوب المخاطبين إلى هذه اللمسات الأولى ، وهو يدعوهم إلى الإيمان والبذل في الفقرة التالية :

( آمنوا بالله ورسوله ، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) . .

والمخاطبون هنا هم مسلمون ، ولكنهم يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله . فهي إذن حقيقة الإيمان يدعون لتحقيقها في قلوبهم بمعناها . وهي لفتة دقيقة . وهم يدعون إلى الإنفاق ، ومع الدعوة لمسة موحية . فهم لا ينفقون من عند أنفسهم . إنما ينفقون مما استخلفهم الله فيه من ملكه . وهو الذي ( له ملك السماوات والأرض ) . . فهو الذي استخلف بني آدم جملة في شيء من ملكه . وهو الذي ( يحيي ويميت ) . . فهو الذي استخلف جيلا منهم بعد جيل .

وهكذا ترتبط هذه الإشارة بما سبق من الحقائق الكلية في مطلع السورة . ثم تقوم هي بدورها في استثارة الخجل والحياء من الله ، وهو المالك الذي استخلفهم وأعطاهم ، فماذا هم قائلون حين يدعوهم إلى إنفاق شيء مما استخلفهم فيه ومما أعطاهم ? ! وفي نهنهة النفوس عن الشح ، والله هو المعطي ولا نفاد لما عنده ، فماذا يمسكهم عن البذل والعطاء ، وما في أيديهم رهن بعطاء الله ? !

ولكنه لا يكلهم إلى هذا التذكير وما يثيره من خجل وحياء ، ومن سماحة ورجاء . إنما يخاطبهم بمؤثر جديد . يخجلهم من كرم الله ويطمعهم في فضله :

( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) . .

فكيف يتخلف متخلف عن الإيمان والبذل في مواجهة هذا الكرم والفضل ?

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

مستخلفين فيه : خلفاء عنه ووكلاء بالتصرف .

هذه السورةُ من السوَر المدنية كما قدّمنا ، وهي تعالج بناء دولة وأمة . وهنا تعالج حالةً واقعة في ذلك المجتمع الإسلامي الجديد ، فيظهر من سياق الحثِّ على البذْل والإيمان أنه كان في المدينة ، إلى جانبِ السابقين من المهاجِرين والأنصار ، فئةٌ من المؤمنين حديثةُ عهدٍ بالإسلام ، لم يتمكن الإيمان في قلوبهم ، ولهم صِلاتُ قرابةٍ ونَسَبٍ مع طائفة المنافقين التي نبتت بعد الهجرة وكانت تكيدُ للإسلام والمسلمين . وكانت هذه المكائد تؤثّر في بعض المسلمين الذين

لم يُدركوا حقيقةَ الإيمان فأنزل الله تعالى هذه الآية والآياتِ التي بعدها يثبّت بها قلوبَ المؤمنين ويحثّهم على البذل والعطاء . فهي تقول :

آمِنوا باللهِ حقَّ الإيمان الصادق ، وأنفِقوا في سبيل الله من المال الذي جعلكم خلفاءَ في التصرّف فيه .

ثم تبين السورة ما أعدّ الله للذين آمنوا وأنفقوا من أجرٍ كبير : { فالذين آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

شرح الكلمات :

{ آمنوا بالله ورسوله } : أي صدقوا بالله ورسوله يا من لم تؤمنوا بعد واثبتوا على إيمانكم يا من آمنتم قبل .

{ وأنفقوا } : أي وتصدقوا في سبيل الله .

{ مما جعلكم مستخلفين فيه } : أي من المال الذي استخلفكم الله فيه إذ هو مال من قبلكم وسيكون لمن بعدكم .

{ فالذين آمنوا منكم وأنفقوا } : أي صدقوا بالله ورسوله وتصدقوا بأموالهم المستخلفين فيها .

{ لهم أجر كبير } : أي ثواب عظيم عند الله وهو الجنة .

/د7

فقال تعالى { آمنوا بالله ورسوله } أي صدقوا بوحدانية الله ورسالة رسول الله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه من الأموال ، ووجه الاستخلاف أن العبد يرث المال عمن سبقه ويموت ويتركه لمن بعده فلا يدفن معه في قبره .

وقوله تعالى { فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير } أي ثواب عظيم عند الله وهو الجنة والرضوان فيها . وهذا الإِخبار يفيد تنشيط الهمم الفاترة والعزائم المترددة .

الهداية

من الهداية :

1- وجوب الإِيمان بالله ورسوله وتقويته .

2- وجوب الإِنفاق في سبيل الله من زكاة ونفقة جهاد وصدقة على الفقراء والمساكين .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

{ آمنوا بالله ورسوله } صدقوا بأن الله تعالى واحد وأن محمدا رسول الله { وأنفقوا } من المال الذي { جعلكم مستخلفين فيه } أي كان لغيركم فملكتموه

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

ولما قامت الأدلة على تنزيهه سبحانه عن شائبة كل نقص ، وإحاطته بكل صفة كمال ، المقتضي لثبوت أن الملك له ، الموجب قطعاً لتفرده بعموم الإلهية ، المقتضي لإرسال من يريده إلى جميع من في ملكه ، وختم بالعلم بالضمائر التي أجلها الإيمان ، قال آمراً بالإذعان له ولرسوله صلى الله عليه وسلم : { آمنوا } أي أيها الثقلان { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا مثل له { ورسوله } الذي عظمته من عظمته . ولما كان الإيمان أساساً ، والإنفاق{[62391]} وجهاً ظاهراً ورأساً ، قال جامعاً بين الأساس الحامل الخفي والوجه الظاهر الكامل البهي : { وأنفقوا } أي في إظهار دينه : ورغبهم في ذلك بطلب اليسير مما أعطاهم الله{[62392]} وزهدهم منه بقوله : { مما جعلكم } أي بقدرته { مستخلفين } أي مطلوباً موجوداً خلافتكم { فيه } وهو له دونكم بما يرضي من استخلفكم في تمهيد سبيله فطيبوا بها نفساً لأنها ليست في الحقيقة لكم وإنما أنتم خزان ، وخافوا من عزلكم من الخلافة بانتزاعها من أيديكم بتولية غيركم أمرها ، إما في حياتكم ، وإما بعد مماتكم ، كما فعل بغيركم حين أوصل إليكم ما وصل من أموالهم ، " فليس لكم منها إلا ما أكلتم فأفنيتم أو لبستم فأبليتم أو تصدقتم فأبقيتم - وفي رواية : فأمضيتم "

وليهن الإنفاق منها عليكم كما يهون على الإنسان النفقة من مال غيره إذا كان أذن له فيه .

ولما أمر بالإنفاق ووصفه بما سهله ، سبب عنه ما يرغب فيه فقال مبالغاً في تأكيد الوعد لما في ارتكابه من العسر بالتعبير عنه بالجملة الاسمية وبناء الحكم{[62393]} على الضمير بالوصف بالكبير وغير ذلك : { فالذين آمنوا } وبين أن هذا خاص بهم لضيق الحال في زمانهم فقال : { منكم وأنفقوا } أي من أموالهم في الوجوه التي ندب إليها على وجه الإصلاح كما دل عليه التعبير بالإنفاق { لهم أجر كبير * } أي لا تبلغ عقولكم حقيقة كبره فاغتنموا الإنفاق في أيام استخلافكم قبل عزلكم وإتلافكم .


[62391]:- من ظ، وفي الأصل: الانطاق.
[62392]:-زيد من ظ.
[62393]:-زيد من ظ.