وتترك كل شيء تأتي عليه كالميت الذي رم وتحول إلى فتات !
والريح قوة من قوى هذا الكون . وجند من جند الله . وما يعلم جنود ربك إلا هو . يرسلها - في إطار مشيئته وناموسه - في صورة ما من صورها ، في الوقت المقدر ، على من يريد ، بالهلاك والدمار ، أو بالحيا والحياة . ولا مكان في مثل هذه المواضع للاعتراض السطحي الساذج ، بالقول بأن الريح تجري وفق نظام كوني ؛ وتهب هنا أو هناك تبعا لعوامل طبيعية . فالذي يجريها وفق ذلك النظام وتبع هذه العوامل هو الذي يسلطها على من يشاء عندما يشاء وفق تقديره وتدبيره . وهو قادر على أن يسلطها كما يريد في إطار النظام الذي قدره والعوامل التي جعلها . ولا مخالفة ولا شبهة ولا اعتراض !
قوله تعالى : " ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم " أي كالشيء الهشيم ؛ يقال للنبت إذا يبس وتفتت : رميم وهشيم . قال ابن عباس : كالشيء الهالك البالي ، وقاله مجاهد : ومنه قول الشاعر{[14250]} :
تركتَني حين كَفَّ الدهرُ من بصري *** وإذْ بقيتُ كعظم الرِّمَّةِ البالي
وقال قتادة : إنه الذي دِيس من يابس النبات . وقال أبو العالية والسدي : كالتراب المدقوق . قطرب : الرميم الرماد . وقال يمان : ما رمته الماشية من الكلأ بمرمتها . ويقال للشفة المِرَمَّة والمِقَمَّة بالكسر ، والمرمة بالفتح لغة فيه . وأصل الكلمة من رَمَّ العظم إذا بلي ، تقول منه : رم العظم يرم بالكسر رمة فهو رميم ، قال الشاعر{[14251]} :
ورأى عواقبَ خلفَ ذاك مَذَمَّةً *** تَبْقَى عليه والعظامُ رَمِيمُ
والرمة بالكسر العظام البالية والجمع رمم ورمام . ونظير هذه الآية : " تدمر كل شيء " [ الأحقاف : 25 ] حسب ما تقدم{[14252]} .
ثم بين عقمها وإعقامها بقوله : { ما تذر } أي تترك على حال ردية ، وأغرق في النفي فقال : { من شيء } ولما كان إهلاكها إنما هو بالفاعل المختار ، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال : { أتت عليه } أي إتيان إرادة مرسلها ، استعلاها على ظاهره وباطنه ، وأما من أريدت رحمته{[61428]} كهود عليه السلام ومن معه رضي الله عنهم فكان لهم روحاً وراحة لا عليهم { إلا جعلته كالرميم * } أي الشيء البالي الذي ذهلته الأيام والليالي ، فصيره البلى إلى حالة الرماد ، وهو في كلامهم ما يبس من نبات الأرض ودثر - قاله ابن جريج ، وخرج بالتعبير ب " تذر " هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين ، فإنهم تركتهم على حالة حسنة لم يمسهم منها سوء كما أشير إلى مثل ذلك بأداة الاستعلاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.