( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) . .
وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الأرض - وربما في هذا الكون . إذ أن التعبير لا يخصص الأرض - قاعدة الزوجية في الخلق . وهي ظاهرة في الأحياء . ولكن كلمة( شيء )تشمل غير الأحياء أيضا . والتعبير يقرر أن الأشياء كالأحياء مخلوقة على أساس الزوجية .
وحين نتذكر أن هذا النص عرفه البشر منذ أربعة عشر قرنا . وأن فكرة عموم الزوجية - حتى في الأحياء - لم تكن معروفة حينذاك . فضلا على عموم الزوجية في كل شيء . . حين نتذكر هذا نجدنا أمام أمر عجيب عظيم . . وهو يطلعنا على الحقائق الكونية في هذه الصورة العجيبة المبكرة كل التبكير !
كما أن هذا النص يجعلنا نرجح أن البحوث العلمية الحديثة سائرة في طريق الوصول إلى الحقيقة . وهي تكاد تقرر أن بناء الكون كله يرجع إلى الذرة . وأن الذرة مؤلفة من زوج من الكهرباء : موجب وسالب ! فقد تكون تلك البحوث إذن على طريق الحقيقة في ضوء هذا النص العجيب . .
{ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ أي : صنفين ] ، ذكر وأنثى ، من كل نوع من أنواع الحيوانات ، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ لنعم الله التي أنعم بها عليكم ]{[862]} في تقدير ذلك ، وحكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها ، لتقوموا بتنميتها وخدمتها وتربيتها ، فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع .
قوله تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين } صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والبر والبحر ، والسهل والجبل ، والشتاء والصيف ، والجن والإنس ، والذكر والأنثى ، والنور والظلمة ، والإيمان والكفر ، والسعادة والشقاوة ، والجنة والنار ، والحق والباطل ، والحلو والمر . { لعلكم تذكرون } فتعلمون أن خالق الأزواج فرد .
" ومن كل شيء خلقنا زوجين " أي صنفين ونوعين مختلفين . قال ابن زيد : أي ذكرا وأنثى وحلوا وحامضا ونحو ذلك . مجاهد : يعني الذكر والأنثى ، والسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والنور والظلام ، والسهل والجبل ، والجن والإنس ، والخير والشر ، والبكرة والعشي ، وكالأشياء المختلفة الألوان من الطعوم والأراييح والأصوات . أي جعلنا هذا كهذا دلالة على قدرتنا ، ومن قدر على هذا فليقدر على الإعادة . وقيل : " ومن كل شيء خلقنا زوجين " لتعلموا أن خالق الأزواج فرد ، فلا يقدر في صفته حركة ولا سكون ، ولا ضياء ولا ظلام ، ولا قعود ولا قيام ، ولا ابتداء ولا انتهاء ؛ إذ عز وجل وِتْرٌ " ليس كمثله شيء{[14258]} " [ الشورى : 11 ] . " لعلكم تذكرون " .
ولما كانت الأشياء المتضادة من الشيء الواحد أدل على القدرة من هذا الوجه ، قال : { ومن كل شيء } أي من الحيوان وغيره { خلقنا } بعظمتنا . ولما كان الفلاسفة يقولون : لا ينشأ عن الواحد إلا واحد ، قال رداً عليهم : { زوجين } أي مثله شيئين كل منهما يزاوح الآخر من وجه وإن خالفه من آخر ، ولا يتم نفع أحدهما إلا بآخر من الحيوان والنبات وغيرها ويدخل فيه الأضداد من الغنى والفقر ، والحسن والقبح ، والحياة والموت ، والضياء والظلام ، والليل والنهار ، والصحة والسقم ، والبر والبحر ، والسهل والجبل ، والشمس والقمر ، والحر والبرد ، والسماوات والأرض ، وأن الحر والبرد من نفس جهنم آية بينة عليها ، وبناءهما على الاعتدال في بعض الأحوال آية على الجنة مذكرة بها مشوقة إليها .
ولما كان ذلك في غاية الدلالة على أن كلاًّ من الزوجين يحتاج إلى الآخر وأنه لا بد أن ينتهي الأمر إلى واحد لا مثل له وأنه لا يحتاج بعد ذلك التنبيه إلى تأمل كبير قال : { لعلكم تذكرون * } فأدغم تاء التفعل الدالة على العلاج والاجتهاد والعمل فصار : فتكونوا عند من ينظر ذلك حق النظر على الرجاء من أن يتذكروا قليلاً من التذكر فيهديكم إلى سواء السبيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.