ثم يقررون تصورهم لحقيقة الهدى والضلال ، والجزاء على الهدى والضلال :
( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون . فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا . وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) . .
والقاسطون : الجائرون المجانبون للعدل والصلاح . وقد جعلهم هذا النفر من الجن فريقا يقابل المسلمين . وفي هذا إيماءة لطيفة بليغة المدلول . فالمسلم عادل مصلح ، يقابله القاسط : الجائر المفسد . .
( فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) . . والتعبير بلفظ( تحروا )يوحي بأن الاهتداء إلى الإسلام معناه الدقة في طلب الرشد والاهتداء - ضد الغي والضلال - ومعناه تحري الصواب واختياره عن معرفة وقصد بعد تبين ووضوح . وليس هو خبط عشواء ولا انسياقا بغير إدراك . ومعناه أنهم وصلوا فعلا إلى الصواب حين اختاروا الإسلام . . وهو معنى دقيق وجميل . .
{ ومنا القاسطون } الجائرون العادلون عن الإسلام وقصد السبيل . جمع قاسط ، أي عادل عن الحق . اسم فاعل من قسط الثلاثي بمعنى جار . بخلاف المقسط ، فإنه العادل إلى الحق ؛ من أقسط الرباعي بمعنى عدل . وحقيقة أقسط : أزال القسط وهو الجور ؛ فالهمزة فيه للسلب . { تحروا رشدا } قصدوا طريق الحق والهدى ، وتوخوه باجتهاد . يقال : حرى الشيء يحريه ، أي قصد حراه أي جانبه . وتجراه كذلك . والرشد : خلاف الغي ، ويستعمل استعمال الهداية .
ولما كان هذا ظاهراً في أنهم أسلموا كلهم ، قالوا نافين لهذا الظاهر مؤكدين لأن إسلامهم مع{[69121]} {[69122]}شديد نفرتهم{[69123]} لا يكاد يصدق : { وأنا منا } أي أيها الجن { المسلمون } أي المخلصون في صفة الإسلام للهادي فأسلموه قيادهم فهم عريقون في ذلك مقسطون مستقيمون ، فلا يفارقون الدليل فهم على الصراط السوي العدل الرضي ، ومنا الجافون الكافرون { ومنا{[69124]} القاسطون } وهم الجائرون عن المنهج{[69125]} الأقوم الساقطون في المهامه{[69126]} المجاهل التي ليس بها{[69127]} معلم ، فهم بربهم كافرون ، ومنا المقسطون{[69128]} ، يقال : قسط - إذا جار جوراً ، أسقطه عن رتبة الإنسان إلى {[69129]}رتبة أدنى{[69130]} الحيوان ، وأقسط - إذا أزال الجور فعدل ، فالآية{[69131]} من الاحتباك : " المسلمون " يدل على الكافرين ، و " القاسطون " يدل على المقسطين .
ولما كانوا قد علموا مما{[69132]} سمعوا من القرآن أنه لا بد من البعث للجزاء ، سببوا عن هذه القسمة قولهم : { فمن أسلم } أي أوقع الإسلام كله بأن أسلم ظاهره وباطنه للدليل من الجن ومن{[69133]} غيرهم .
ولما كان في مقام الترغيب في الحق ، ربط بفعلهم ذلك{[69134]} تسبيباً عنه قوله مدحاً لهم : { فأولئك } أي العالو الرتبة { تحروا } أي توخوا{[69135]} وقصدوا مجتهدين { رشداً * } أي صواباً عظيماً وسداداً ، {[69136]}كان - لما{[69137]} عندهم من النقائص - شارداً عنهم{[69138]} فعالجوا أنفسهم حتى ملكوه فجعلوه لهم منزلاً ، من قولهم : الحرا - بالقصر : أفحوص القطاة يأوي إليه الظبي ، والناحية والموضع ، وما أحراه بكذا : ما أوجبه له ، وبالحرا أن يكون كذا أي خليق كونه ، وفلان حري بكذا أي خليق ، وقد يجيء بالحر - من غير ياء ، يراد به بالجهد ، وتحريت الشيء : قصدت ناحيته ، فكان لهم ذلك إلى الجنة سبباً ، ومن قسط فأولئك ضلوا فنالوا{[69139]} غياً وشططاً{[69140]} .
قوله : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون } وذلك إخبار آخر من الله عن قيل النفر من الجن وهو أنا منا المسلمون أي المستسلمون لله الخاضعون لأمره ، المذعنون له بالطاعة والإنابة { ومنا القاسطون } أي الجائرون . أو المائلون عن الحق ، الناكبون عن سواء السبيل . والقاسطون ، من القسوط ، وهو الجور والعدول عن الحق ، بخلاف القسط وهو العدل{[4658]} .
قوله : { فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا } فمن رام الهدى والصواب فأطاع الله واستسلم لأمره فأولئك قصدوا الطريق المستقيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.