فماذا أنتم فاعلون إذ تبلغ الحلقوم ، وتقفون في مفرق الطريق المجهول ?
ثم يصور الموقف التصوير القرآني الموحي ، الذي يرسم ظلال الموقف كلها في لمسات سريعة ناطقة بكل ما فيه ، وبكل ما وراءه ، وبكل ما يوحيه .
( فلولا إذا بلغت الحلقوم . وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) . .
لنكاد نسمع صوت الحشرجة ، ونبصر تقبض الملامح ، ونحس الكرب والضيق من خلال قوله : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم ) . .
{ فلولا إذا بلغت الحلقوم . . . } توبيخ لهم على تكذيبهم الآيات الدالة على أنهم تحت سلطانه وقهره سبحانه ، من حيث ذواتهم وطعامهم وشرابهم وسائر أسباب معايشهم . أي إن كنتم أيها الجاحدون لآياتنا ، المكذبون لرسولنا ، المنكرون لقدرتنا على سائر شئونكم – غير مربوبين لنا ، ولا مقهورين بسلطاننا ، وكنتم صادقين في اعتقادكم ذلك ؛ فهلا تردون إلى المحتضر روحه إذا بلغت حلقومه ، وشارفت الخروج من جسده ! ؟ وأنتم تشاهدون ما يقاسيه من هول الفزع وسكرات الموت ! وتحرصون كل الحرص على إنجائه منه ؟ ونحن أقرب منكم بعلمنا وقدرتنا ، حيث لا تعرفون كنه حالته ، ولا تفقهون أسبابها الحقيقية ، ولا تقدرون على دفعها . ونحن العالمون بها ، المسيطرون عليها ، النازعون لروحه من هيكلها الجسماني . ولكنكم لا تدركون ذلك لفرط جهالتكم بربكم ؟ وحاصل المعنى : أنكم إن كنتم غير مربوبين كما تقتضيه أقوالكم وأعمالكم ، فمالكم لا ترجعون الروح إلى البدن إذا بلغت الحلقوم ! وتردونها كما كانت بقدرتكم وسلطانكم ! و " لولا " حرف تحضيض بمعنى هلا . و " لولا " الثانية تأكيد لها و " إذا " ظرف لقوله : " ترجعونها " أي تردونها ، وهو جواب الشرطين : " إن كنتم غير مدينين – إن كنتم صادقين " . " غير مدينين " أي غير مربوبين لنا ؛ من دان السلطان الرعية : إذا سامهم وتعبدهم . وجملة " وأنتم تنظرون " حال من فاعل
" بلغت " . وجملة " ونحن أقرب إليه " مستأنفة لتأكيد توبيخهم على صدور ما يدل على سوء اعتقادهم في ربهم .
قوله تعالى : " فلولا إذا بلغت الحلقوم " أي فهلا إذا بلغت النفس أو الروح الحلقوم . ولم يتقدم لها ذكر ، لأن المعنى معروف ، قال حاتم .
أماويّ ما يُغني الثراء عن الفتى *** إذا حَشْرَجَتْ يوما وضاق بها الصدر
وفي حديث : ( إن ملك الموت له أعوان يقطعون العروق يجمعون الروح شيئا فشيئا حتى ينتهى بها إلى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت ) .
ولما أنكر عليهم هذا الإنكار ، وعجب منهم هذا التعجيب في أن ينسبوا لغيره فعلاً أو يكذبوا له خبراً ، سبب عن ذلك تحقيقاً لأنه لا فاعل سواه قوله : { فلولا } وهي أداة تفهم طلباً بزجر وتوبيخ وتقريع بمعنى هل لا ولم لا { إذا بلغت } أي{[62288]} الروح منكم ومن غيركم عند الاحتضار ، أضمرت من غير ذكر لدلالة الكلام عليها دلالة ظاهرة { الحلقوم * } وهو مجرى الطعام في الحلق ، والحلق مساغ الطعام والشراب معروف ، فكان الحلقوم أدنى الحلق إلى جهة اللسان لأن الميم لمنقطع التمام ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.