اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ} (83)

قوله : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم } .

ترتيب الآية الكريمة : فلولا ترجعونها - أي النَّفس - إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين .

و«لولا » الثانية مكررة للتوكيد{[55126]} قاله الزمخشري{[55127]} .

قال شهاب الدين{[55128]} : فيكون التقدير : فلولا فلولا ترجعونها من باب التوكيد اللفظي ، ويكون «إذا بلغت » ظرفاً ل «تَرْجعُونها » مقدماً عليه ؛ إذ لا مانع منه ، أي فلولا ترجعون النَّفس في وقت بلوغها الحُلْقُوم .

وقوله : { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } .

جملة حالية من فاعل «بلغت » .

والتنوين في «حينئذٍ » عوض من الجملة المضاف إليها أي : إذا بلغت الحلقوم ، خلافاً للأخفش ، حيث زعم أن التنوين للصَّرف ، والكسر للإعراب{[55129]} . وقد مضى تحقيقه .

وقرأ العامة : بفتح نون «حينئذ » لأنه منصوب على الظرف ، ناصبه «تنظرون » وعيسى{[55130]} : بكسرها .

وهي مشكلة لا تبعد عن الغلط عليه ، وخرجت على الإتباع لحركة الهمزة .

ولا عرف في ذلك ، فليس بأبعد من قرأ : «الحَمْدِ لله » بكسر الدال لتلازم المتضايفين ، ولكثرة دروهما على الخصوص{[55131]} .

فصل في تحرير معنى الآية

قال المفسرون{[55132]} : معنى الآية فهلا إذا بلغت النفس ، أو الروح الحلقوم ، ولم يتقدم لها ذكر ؛ لأن ذلك معروف .

قال حاتم : [ الطويل ]

أمَاويُّ ما يُغْنِي الثَّرَاءُ عن الفَتَى *** إذَا حَشْرَجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ{[55133]}

وفي الحديث : «إنَّ مَلَكَ المَوْتِ لهُ أعْوانٌ يَقْطعُونَ العُرُوق ، ويَجْمَعُونَ الرُّوح شَيْئاً فَشَيْئاً حتَّى ينتهي بها إلى الحُلْقُومِ ، فيتوفَّاها ملكُ الموتِ »{[55134]} .

{ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } أمري وسلطاني .

وقيل : تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء .

قال ابن عباس : يريد من حضر من أهل الميِّت ينتظرون متى تخرج نفسه{[55135]} .

ثم قيل : هو رد عليهم في قولهم لإخوانهم : { لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } [ آل عمران : 156 ] ، فهلاَّ ردوا روح الواحد منهم إذا بلغت الحُلْقُوم .

وقيل : المعنى فهلاَّ إذا بلغت نفس أحدكم الحُلْقُوم عند النَّزْع ، وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده مع حرصكم على امتداد عمره ، وحبكم لبقائه ، وهذا رد لقولهم : { نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر } [ الجاثية : 24 ] .


[55126]:ينظر: الدر المصون 6/269.
[55127]:الكشاف 4/470.
[55128]:الدر المصون 6/269.
[55129]:ينظر: الدر المصون 6/269.
[55130]:ينظر: المحرر الوجيز 5/253، والبحر المحيط 8/214، والدر المصون 6/269.
[55131]:ينظر: الدر المصون 6/269.
[55132]:ينظر: القرطبي 17/149.
[55133]:تقدم.
[55134]:له شاهد من حديث تميم الداري ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/238) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" وأبي يعلى.
[55135]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/149).