الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ} (83)

قوله تعالى : { فلولا إذا بلغت الحلقوم } الآيات .

أخرج ابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى تنقطع معرفة العبد من الناس قال : إذا عاين .

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : احضروا موتاكم وذكروهم فإنهم يرون ما لا ترون .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو بكر المروزي في كتاب الجنائز عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله فإنهم يرون ويقال لهم .

وأخرج سعيد بن منصور والمروزي عن عمر رضي الله عنه قال : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ، واعقلوا ما تسمعون من المطيعين منكم ، فإنه يجلي لهم أمور صادقة .

وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وأبو يعلى من طريق أبي يزيد الرقاشي عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يقول الله لملك الموت : انطلق إلى وليي فائتني به فإني قد جربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب ، فائتني به لأريحه من هموم الدنيا وغمومها . فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة معهم أكفان وحنوط من حنوط الجنة ومعهم ضبائر الريحان ، أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لوناً ، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر ، فيجلس ملك الموت عند رأسه ، وتحتوشه الملائكة ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه ، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر تحت ذقنه ، ويفتح له باب إلى الجنة ، فإن نفسه لتعلل عنده ذلك بطرف الجنة مرة بأزواجها ومرة بكسوتها ومرة بثمارها ، كما يعلل الصبيّ أهله إذا بكى ، وإن أزواجه ليبتهشن عند ذلك ابتهاشاً ، وتنزو الروح نزواً ، ويقول ملك الموت : أخرجي أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود وطلح ممدود وماء مسكوب ، وملك الموت أشد تلطفاً به من الوالدة بولدها ، يعرف أن ذلك الروح حبيب إلى ربه ، كريم على الله فهو يلتمس بلطفه تلك الروح رضا الله عنه ، فسلّ روحه كما تسل الشعرة من العجين ، وإن روحه لتخرج والملائكة حوله يقولون : { سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } [ النحل : 32 ] وذلك قوله : { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم } [ النحل : 32 ] قال : فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ، قال : روح من جهد الموت وروح يؤتى به عند خروج نفسه وجنة نعيم أمامه . فإذا قبض ملك الموت روحه يقول الروح للجسد : لقد كنت بي سريعاً إلى طاعة الله بطيئاً عن معصيته ، فهنيئاً لك اليوم فقد نجوت وأنجيت ، ويقول الجسد للروح : مثل ذلك ، وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله عليها ، كل باب من السماء كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه أربعين ليلة ، فإذا قبضت الملائكة روحه أقامت الخمسمائة ملك عند جسده لا يقلبه بنو آدم لشق إلا قلبته الملائكة عليهم السلام قبلهم ، وعلته بأكفان قبل أكفانهم وحنوط قبل حنوطهم ، ويقوم من باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار ، ويصيح إبليس عند ذلك صيحة يتصرع منها بعض أعظام جسده ، ويقول لجنوده : الويل لكم كيف خلص هذا العبد منكم ؟ فيقولون : إن هذا كان معصوماً . فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة كلهم يأتيه من ربه ، فإذا انتهى ملك الموت إلى العرش خرت الروح ساجدة لربها ، فيقول الله لملك الموت : انطلق بروح عبدي فضعه { في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب } [ الواقعة : 28 ] فإذا وضع في قبره جاءت الصلاة فكانت عن يمينه ، وجاء الصيام فكان عن يساره ، وجاء القرآن والذكر فكانا عند رأسه ، وجاء مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه ، وجاء الصبر فكان ناحية القبر ، ويبعث الله عتقاً من العذاب فيأتيه عن يمينه ، فتقول الصلاة : وراءك والله ما زال دائباً عمره كله وإنما استراح الآن حين وضع في قبره ، فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك ، فيأتيه من قبل رأسه فيقول له مثل ذلك ، فلا يأتيه العذاب من ناحية فيلتمس هل يجد لها مساغاً إلا وجد ولي الله قد أحرزته الطاعة ، فيخرج عنه العذاب عندما يرى ، ويقول الصبر لسائر الأعمال : أما إنه لم يمنعني أن أباشره بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم ، فلو عجزتم كنت أنا صاحبه ، فأما إذا أجزأتم عنه فأنا ذخر له عند الصراط وذخر له عند الميزان ، ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب يطآن في أشعارهما بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا ، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة إلا بالمؤمنين ، يقال لهما : منكر ونكير ، وفي يد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع عليها الثقلان لم يقلوها ، فيقولان له : اجلس فيستوي جالساً في قبره فتسقط أكفانه في حقويه ، فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : ربي الله وحده لا شريك له ، والإِسلام ديني ، ومحمد نبي ، وهو خاتم النبيين . فيقولان له : صدقت ، فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره ومن قبل رأسه ومن قبل رجليه ، ثم يقولان له : أنظر فوقك ، فينظر ، فإذا هو مفتوح إلى الجنة ، فيقولان له : هذا منزلك يا وليّ الله ، لم أطعت الله فوالذي نفس محمد بيده إنه لتصل إلى قلبه فرحة لا ترتد أبداً ، فيقال له : أنظر تحتك فينظر تحته فإذا هو مفتوح إلى النار ، فيقولان : يا ولي الله نجوت من هذا فوالذي نفسي بيده إنه لتصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً ، ويفتح له سبعة وسبعون باباً إلى الجنة يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله تعالى من قبره إلى الجنة وأما الكافر فيقول الله لملك الموت : ويفتح الله لملك الموت انطلق إلى عبدي فائتني به فإني قد بسطت له رزقي وسربلته نعمتي فأبى إلا معصيتي فائتني به لأنتقم منه اليوم ، فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة رآها أحد من الناس قط ، له اثنتا عشرة عيناً ومعه سفود من النار كثير الشوك ، ومعه خمسمائة من الملائكة معهم نحاس وجمر من جمر جهنم ، ومعهم سياط من النار تأجج فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربة يغيب أصل كل شوكة من ذلك السفود في أصل كل شعرة وعرق من عروقه ، ثم يلويه ليّاً شديداً ، فينزع روحه من أظفار قدميه ، فيلقيها في عقبيه ، فيسكر عدوّ الله عند ذلك سكرة ، وتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط ، ثم كذلك إلى حقويه ، ثم كذلك إلى صدره ، ثم كذلك إلى حلقه ، ثم تبسط الملائكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه ، ثم يقول ملك الموت : أخرجي أيتها النفس اللعينة الملعونة إلى { سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم } [ الواقعة : 43 ] فإذا قبض ملك الموت روحه قالت الروح للجسد : جزاك الله عني شرّاً فقد كنت بي سريعاً إلى معصية الله بطيئاً بي عن طاعة الله ، فقد هلكت وأهلكت ، ويقول الجسد للروح مثل ذلك ، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله تعالى عليها ، وتنطلق جنود إبليس إليه يبشرونه بأنهم قد أوردوا عبداً من بني آدم النار ، فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فتدخل اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى ويبعث الله إليه حيات دهماء تأخذ بأرنبته وإبهام قدميه ، فتغوصه حتى تلتقي في وسطه ، ويبعث الله إليه الملكين فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول : لا أدري فيقال له : لا دريت ولا تليت ، فيضربانه ضربة يتطاير الشرار في قبره ، ثم يعود ، فيقولان له : انظر فوقك ، فينظر ، فإذا باب مفتوح إلى الجنة فيقولان له عدو الله لو كنت أطعت الله تعالى ، هذا منزلك فوالذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه حسرة لا ترتد أبداً ، ويفتح له باب إلى النار ، فيقال : عدوّ الله هذا منزلك لما عصيت الله ، ويفتح له سبعة وسبعون باباً إلى النار يأتيه حرها وسمومها حتى يبعثه من قبره يوم القيامة إلى النار » .