فإن الله الذي يوعدهم هذا الإيعاد ، هو مالك السماوات والأرض وحده . فهو الذي يملك المغفرة لمن يشاء ، وهو الذي يملك العذاب لمن يشاء .
والله يجزي الناس بأعمالهم ولكن مشيئته مطلقة لا ظل عليها من قيد ، وهو يقرر هذه الحقيقة هنا لتستقر
في القلوب . غير متعارضة مع ترتيب الجزاء على العمل ، فهذا الترتيب اختيار مطلق لهذه المشيئة .
ومغفرة الله ورحمته أقرب . فليغتنمها من يريد ، قبل أن تحق كلمة الله بعذاب من لم يؤمن بالله ورسوله ، بالسعير الحاضرة المعدة للكافرين .
{ وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والارض } فهو عز وجل المتصرف في الكل كما يشاء { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أن يغفر له { وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } أن يعذبه من غير دخل لأحد في شيء من غفرانه تعالى وتعذيبه جل وعلا وجوداً وعدماً { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } مبالغاً في المغفرة لمن يشاء ولا يشاء سبحانه إلا لمن تقتضي الحكمة المغفرة له ممن يؤمن به سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وأما من عداه من الكافرين المجاهرين والمنافقين فهم بمعزل من ذلك قطعاً وفي تقديم المغفرة والتذييل بكونه تعالى غفوراً بصيغة المبالغة وضم رحيماً إليه الدال على المبالغة أيضاً دون التذييل بما يفيد كونه سبحانه معذباً مما يدل على سبق الرحمة ما فيه .
وفي الحديث «كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي » وهذا السبق على ما أشار إليه في أنوار التنزيل ذاتي وذلك لأن الغفران والرحمة بحسب الذات والتعذيب بالعرض وتبعيته للقضاء والعصيان المقتضى لذلك وقد صرح غير واحد بأن الخير هو المقضي بالذات والشر بالعرض إذ لا يوجد شر جزئي ألا وهو متضمن لخير كلي ، وفصل ذلك في شرح الهياكل ، وقال بعض الأجلة : المراد بالسبق في الحديث كثرة الرحمة وشمولها وكذا المراد بالغلبة الواقعة في بعض الروايات ، وذلك نظير ما يقال : غلب على فلان الكرم ومن جعل الرحمة والغضب من صفات الأفعال لم يشكل عليه أمر السبق ولم يحتج إلى جعله ذاتياً كما لا يخفى والآية على ما قال أبو حيان لترجية أولئك المنافقين بعض الترجية إذا آمنوا حقيقة ، وقيل : لحسم أطماعهم الفارغة في استغفاره عليه الصلاة والسلام لهم ، وفسر الزمخشري { مَن يَشَآء } الأول بالتائب والثاني بالمصر ثم قال : يكفر سبحانه السيآت باجتناب الكبائر ويغفر الكبائر بالتوبة وهو اعتزال منه مخالف لظاهر الآية ، وقال الطيبي يمكن أن يقال : إن قوله تعالى : { وَللَّهِ مُلْكُ السموات } الخ موقعه موقع التذييل لقوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ } ( الفتح ؛ 13 ) الآية على أن يقدر له ما يقابله من قوله ومن آمن بالله ورسوله فإنا أعتدنال لمؤمنين الجنان مثلاً فلا يقيد شيء مما قيده ليؤذن بالتصرف التام والمشيئة النافذة والغفران الكامل والرحمة الشاملة فتأمل ولا تغفل .
{ 14 } { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
أي : هو تعالى المنفرد بملك السماوات والأرض ، يتصرف فيهما بما يشاء من الأحكام القدرية ، والأحكام الشرعية ، والأحكام الجزائية ، ولهذا ذكر حكم الجزاء المرتب على الأحكام الشرعية ، فقال : { يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ } وهو من قام بما أمره الله به { وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } ممن تهاون بأمر الله ، { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } أي : وصفه اللازم الذي لا ينفك عنه المغفرة والرحمة ، فلا يزال في جميع الأوقات يغفر للمذنبين ، ويتجاوز عن الخطائين ، ويتقبل توبة التائبين ، وينزل خيره المدرار ، آناء الليل والنهار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.