تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (14)

الآية 14 وقوله تعالى : { ولله ملك السماوات والأرض } قيل فيه بوجوه :

أحدها : ولله خزائن السماوات والأرض ، وكذلك ذُكر في حرف ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرؤُه : ولله خزائن السماوات والأرض .

والثاني : ولله ملك كل ملك في السماوات والأرض ، أي لله حقيقة مُلك كل مُلكٍ في السماوات والأرض .

والثالث : ولله ولاية أهل السماوات والأرض وسلطانه ، أي الولاية والسلطان له على أهل السماوات والأرض . ثم يحتمل ذكرُه هذا وجهين :

أحدهما : يخبر أنه في ما يأمُرهم ، وينهاهم ، ويمتحنُهم بأنواع المحن ، بما يأمرهم [ وينهاهم ، ويمتحُنهم ]{[19553]} لا لحاجة نفسه ولا لمنفعة له ؛ إذ له ملك السماوات والأرض ، ولا يحتمل من له ملك ما ذكر [ أن تقع له الحاجة إلى ما ذكر ]{[19554]} أو المنفعة ، لأنه غنيّ بذاته ، ولكن يأمرهم ، وينهاهم ، ويمتحنهم بما امتحن لحاجتهم ولمنفعتهم ، والله أعلم .

والثاني : يذكر هذا ليقطعوا الرجاء عما في أيدي الخلق ، ويصرفوا الطّمع والرجاء إلى الله تعالى ؛ ومنه يرون كل نفع وخير ، يصل إليهم ، ومنه يخافون في كل أمر ، فيه خوف ، لا يخافون سواه ، ولا يطمعون غيره ، وهو ما أخبر : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد } ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : { يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء } يقول ، والله أعلم : هو يغفر لمن يشاء ، وهو المالك لذلك ، وهو يعذّب من يشاء ، أي ليس يملك أحد مغفرة ذنوب أحد سواه ولا تعذيبه ، إنما ذلك منه ، وله ملك ذلك ، وله الفعل دون خلقه ، ليصرفوا طمعهم ورجاءهم في كل أمر [ إلى الله تعالى ، ومنه يخافوا{[19555]} في كل أمر{[19556]} ] فيه خوف ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وكان الله غفورا رحيما } أي وكان الله ، ولم{[19557]} يزل ، غفورا رحيما ، لا أنه حدث ذلك له بخلقه ، والله الموفّق .


[19553]:في الأصل وم: وينهى ويمتحن.
[19554]:من م، ساقطة من الأصل.
[19555]:في م: يخافون.
[19556]:من م، ساقطة من الأصل.
[19557]:الواو ساقطة من الأصل وم.