ثم يلوي أعناقهم إلى مصارع الغابرين قبلهم في شدة وعنف :
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ? دمر الله عليهم . وللكافرين أمثالها . .
وهي لفتة عنيفة مروعة ، فيها ضجة وفرقعة . وفيها مشهد للذين من قبلهم يدمر عليهم كل ما حولهم ، وكل ما لهم ، فإذا هو أنقاض متراكمة ، وإذا هم تحت هذه الأنقاض المتراكمة . وذلك المشهد الذي يرسمه التعبير مقصود بصورته هذه وحركته ، والتعبير يحمل في إيقاعه وجرسه صورة هذا المشهد وفرقعته في انقضاضه وتحطمه !
وعلى مشهد التدمير والتحطيم والردم ، يلوح للحاضرين من الكافرين ، ولكل من يتصف بهذه الصفة بعد ، بأنها في انتظارهم . هذه الوقعة المدمرة التي تدمر عليهم كل شيء وتدفنهم بين الأنقاض : ( وللكافرين أمثالها ) !
وتفسير هذا الأمر الهائل المروع الذي يدمر على الكافرين وينصر المؤمنين هو القاعدة الأصيلة الدائمة :
دمر عليهم : أهلكهم ، يقال دمر القوم ودمر عليهم : أهلكهم .
وللكافرين أمثالُها : للكافرين أمثالُ عاقبة الذين دمرهم الله .
بعد ذلك يوجه الله الناسَ إلى النظر في أحوال الأمم السابقة ورؤية آثارهم ، لأن المشاهَدة للأمور المحسوسة تؤثر في النفوس ، فيقول لهم : أفلم تسيروا في الأرض فتنظروا ديار الأمم السابقة التي كذّبت الرسل ! اتّعظوا بذلك ، واحذروا أن نفعل بكم كما فعلنا بمن قبلكم ، ممن أوقعنا بهم الهلاك ودمرنا ديارهم . { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } إن كل من يكفر بالله ينتظره مثل ذلك العذاب .
{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الارض } أي أقعدوا في أماكنهم فلم يسيروا فيها { فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ } من الأمم المكذبة فإن آثار ديارهم تنبىء عن أخبارهم ، وقوله تعالى : { دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ } استئناف بياني كأنه قيل : كيف كانت عاقبتهم ؟ فقيل : أهلك ما يختص بهم من النفس والأهل والمال يقال دمره أهلكه ودمر عليه أهلك ما يختص به فدمر عليه أبلغ من دمره ، وجاءت المبالغة من حذف المفعول وجعله نسيامنسياً والاتيان بكلمة الاستعلاء وهي لتضمن التدمير معنى الإيقاع أو الهجوم أو نحوه { وللكافرين } أي لهؤلاء الكافرين السائرين سيرتهم { أمثالها } أمثال عاقبتهم أو عقوبتهم لدلالة ما سبق عليها لكن لا على أن لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافه بل مثله ، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة حسب تعدد الأمم المعذبة ، وقيل : يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين وقد قتلوا وأسروا بأيدي من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم ، والقتل بيد المثل أشد من الهلاك بسبب عام ، وقيل : المراد بالكافرين المتقدمون بطريق الظاهر موضع الضمير كأنه قيل : دمر الله تعالى عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.