ولم يكن المخاطبون يومذاك يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل ، الذي يدركونه بعيونهم المجردة . ومن ثم قال لهم : ( وإنه لقسم - لو تعلمون - عظيم ) . . فأما نحن اليوم فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به ، نصيبا أكبر بكثير مما كانوا يعلمون . وإن كنا نحن أيضا لا نعلم إلا القليل عن عظمة مواقع النجوم . . .
وهذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا الصغيرة ، المحدودة المناظير ، يقول لنا : إن مجموعة واحدة من مجموعات النجوم التي لا تحصى في الفضاء الهائل الذي لا نعرف له حدودا . مجموعة واحدة - هي المجرة التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية - تبلغ ألف مليون نجم !
[ ويقول الفلكيون إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم ، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه . هذه كلها تسبح في الفلك الغامض ؛ ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر ، أو يصطدم بكوكب آخر ، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة . وهو احتمال بعيد ، وبعيد جدا . إن لم يكن مستحيلا ] .
وكل نجم في موقعه المتباعد عن موقع إخوته ، قد وضع هناك بحكمة وتقدير . وهو منسق في آثاره وتأثراته مع سائر النجوم والكواكب ، لتتوازن هذه الخلائق كلها في هذا الفضاء الهائل .
فهذا طرف من عظمة مواقع النجوم ، وهو أكبر كثيرا جدا مما كان يعلمه المخاطبون بالقرآن أول مرة ، وهو في الوقت ذاته أصغر بما لا يقاس من الحقيقة الكلية لعظمة واقع النجوم !
( فلا أقسم بمواقع النجوم ) . . فالأمر أوضح وأجلى من أن يحتاج إلى قسم . . ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) . . وهذا التلويح بالقسم والعدول عنه أسلوب ذو تأثير في تقرير الحقيقة التي لا تحتاج إلى القسم لأنها ثابتة واضحة . . ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين ) . .
{ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } هذه جملة اعتراض بين القسم وجوابه وقوله : { لو تعلمون } اعتراض بين الموصوف وصفته فهو اعتراض في اعتراض ، والمقصود بذلك تعظيم المقسم به وهو مواقع النجوم وجواب القسم إنه لقرآن كريم وأعاد الضمير على القرآن لأن المعنى يقتضيه أو لأنه مذكور على قول من قال : إن مواقع النجوم نزول القرآن .
فقال موضحاً له بالتأكيد رحمة للعبيد بالإشارة إلى أنهم جروا على غير ما يعلمون من عظمتنا فعدوا غير عالمين : { وإنه } أي هذا القسم على هذا{[62246]} المنهج { لقسم لو تعلمون } أي لو تجدد لكم في وقت علم لعلمتم أنه { عظيم } وإقسامه لنا على ذلك ونحن أقل قدراً وأضعف أمراً إعلاماً بما له من الرحمة التي من عظمها أنه لا يتركنا سدى - كل ذلك ليصلح أنفسنا باتباع أمره والوقوف عند زجره ، قال ابن برجان : ومن إتقانه جل جلاله في خليقته وحكمه في بريته أن جعل لكل واقع من النجوم الفلكية طالعاً يسمى بالإضافة إلى الواقع الرقيب دون تأخر ، وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى :
رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان }[ الرحمن : 18 ] يجمع ذلك الشمس والقمر والنجوم وهي نجوم{[62247]} منازل القمر عددها ثمانية وعشرون منزلة سوى تحجبها الشمس فتمت تسع وعشرون منزلة يشتشرفها القمر ، فربما استتر ليلة وربما استتر ليلتين ، فالقمر ينزل في هذه المنازل كل ليلة منزلة حتى يتمها لتمام{[62248]} الشهر ، وأما الشمس فإنها تقيم في كل منزلة [ منها ]{[62249]} ثلاثة عشر يوما خلا الجهة فإنها تقيم فيها أربعة عشر يوماً ويسمى حلولها في هذه المحال ثم طلوع المنزلة التي تليها لوقوع هذا رقيب لها نوء - انتهى ، وهو يعني أن من تأمل هذه الحكم علم ما في هذا القسم من العظم ، وأشبع القول فيها أبو الحكم ، وبين ما فيها من بدائع النعم ، ثم قال : ويفضل الله{[62250]} بفتح رحمته كما يشاء فينزل من السماء{[62251]} ماء مباركاً يكسر به من برد الزمهرير فيرطبه ويبرد من حر السعير فيعدله ، وقسم السنة على أربعة فصول أتم فيها أمره في الأرض بركاتها وتقدير أقواتها ، قال
{ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها{[62252]} في أربعة أيام }[ فصلت : 10 ] ثم قال : وجعل هذه الدنيا على هذا الاعتبار الجنة الصغرى ، ولو أتم القسم على هذا الوجه ثم على الاعتبار تخفيفه الفيح وإنارته الزمهرير والسعير هي جهنم الصغرى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.