وكانت [ مناة ] بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة . وكانت خزاعة والاوس والخزرج في جاهليتهم يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة .
وكان بالجزيرة كثير من هذه المعبودات تعظمها القبائل المختلفة . ولكن هذه الثلاثة كانت أعظمها .
والمظنون أن هذه المعبودات كانت رموزا لملائكة يعتبرهن العرب إناثا ويقولون : إنهن بنات الله . ومن هنا جاءت عبادتها ، والذي يقع غالبا أن ينسى الأصل ، ثم تصبح هذه الرموز معبودات بذاتها عند جمهرة العباد . ولا تبقى إلا قلة متنورة هي التي تذكر أصل الأسطورة !
مَناة : وهي أقدم هذه الأصنام ، وكان صنمه منصوباً على ساحل البحر بناحية المشلل بِقَديدٍ ، بين المدينة ومكة . وكانت العرب جميعا تعظّمه وتذبح حوله . وكانت الأوسُ والخزرج تعظّمه أكثرَ من جميع العرب ، وكانوا يحلقون رؤوسهم عند مناة . وبعد فتح مكة أرسل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب كرم الله وجهه فهدَمها وأخذ ما كان لها . وكان من جملة ما وجدَ عندها سيفان ، فوهبَهما الرسولُ إلى علي رضي الله عنه . والعرب تسمى : عبدَ مناة وزيدَ مناة ، وكانت أقدم الأصنام الثلاثة .
قرأ ابن كثير : مناءة بمدّ الألف والهمزة المفتوحة ، والباقون : مناة .
قوله تعالى : { ومناة } قرأ ابن كثير بالمد والهمزة ، وقرأ العامة بالقصر غير مهموز ، لأن العرب سمت زيد مناة وعبد مناة ، ولم يسمع فيها المد . قال قتادة : هي لخزاعة كانت بقديد ، قالت عائشة رضي الله عنها في الأنصار : كانوا يهلون لمناة ، وكانت حذو قديد . قال ابن زيد : بيت كان بالمشلل يعبده بنو كعب . قال الضحاك : مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة . وقال بعضهم : اللات والعزى ومناة : أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها . واختلف القراء في الوقف على اللات ومناة : فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء . وما كتب بالهاء فيوقف عليه بالهاء . وأما قوله : { الثالثة الأخرى } نعت لمناة ، أي : الثالثة للصنمين في الذكر ، وأما الأخرى فإن العرب لا تقول : الثالثة الأخرى ، إنما الأخرى ها هنا نعت للثالثة . قال الخليل : فالياء لوفاق رؤوس الآي ، كقوله : { مآرب أخرى }( طه-18 ) ولم يقل : أخر . وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، مجازها : أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة . ومعنى الآية : أفرأيتم : أخبرونا يا أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . قال الكلبي
قوله تعالى : " ومناة الثالثة الأخرى " قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي والأعشى عن أبي بكر " ومناءة " بالمد والهمز . والباقون بترك الهمز لغتان . وقيل : سمي بذلك ؛ لأنهم كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه . وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق فيها من الدماء . وكان الكسائي وابن كثير وابن محيصن يقفون بالهاء على الأصل . الباقون بالتاء اتباعا لخط المصحف . وفي الصحاح : ومناة اسم صنم كان لهذيل وخزاعة{[14386]} بين مكة والمدينة ، والهاء للتأنيث ويسكت عليها بالتاء وهي لغة ، والنسبة إليها منوي . وعبد مناة بن أد بن طابخة ، وزيد مناة بن تميم بن مريمد ويقصر ، قال هَوبَر الحارثي :
ألا هل أتَى التَّيْمَ بن عبد مَنَاءة *** على الشِّنءِ فيما بيننا ابنُ تميم
قوله تعالى : " الأخرى " العرب لا{[14387]} تقول للثالثة أخرى وإنما الأخرى نعت للثانية ، واختلفوا في وجهها ، فقال الخليل : إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي ، كقوله : " مآرب أخرى " [ طه : 18 ] ولم يقل أخر . وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير مجازها أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة . وقيل : إنما قال " ومناة الثالثة الأخرى " لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى فالكلام على نسقه . وقد ذكرنا عن ابن{[14388]} هشام : أن مناة كانت أولا في التقديم ؛ فلذلك كانت مقدمة عندهم في التعظيم ، والله أعلم . وفي الآية حذف دل عليه الكلام ، أي أفرأيتم هذه الآلهة هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله .
قوله : { ومناة الثالثة الأخرى } وأما مناة ، فكانت بالمشلّل عند قديد ، بين مكة والمدينة وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتهم يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة . وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلاثة التي نص عليها سبحانه في كتابه الحكيم ، وإنما أفرد هذه الثلاثة بالذكر ، لأنها أشهر من غيرها . وأما اللات ، فقد كانت لثقيف بالطائف وقد بعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب فهدماها وجعلا مكانها مسجدا بالطائف .
وأما العزى ، فقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، فهدمها ، وجعل يقول :
يا عزّ كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك
وأما مناة ، فقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان صخر بن حرب ، فهدمها . ويقال علي بن أبي طالب .
على أن الكلام فيه محذوف دل عليه سياق الآية . والتقدير هو : أفرأيتم هذه الآلهة المفتراة التي اصطنعتموها وعبدتموها هل تملك نفعا أو ضرا فتتخذوها آلهة من دون الله .