في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

إن أقصى ما كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يؤمر به في مقابلة التبجح والاستهتار أن يقول :

( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ) . .

وتخصيص الزكاة في هذا الموضع لا بد كانت له مناسبة حاضرة ، لم نقف عليها ، فهذه الآية مكية . والزكاة لم تفرض إلا في السنة الثانية من الهجرة في المدينة . وإن كان أصل الزكاة كان معروفاً في مكة . والذي جد في المدينة هو بيان أنصبتها في المال ، وتحصيلها كفريضة معينة . أما في مكة فقد كانت أمراً عاماً يتطوع به المتطوعون ، غير محدود ، وأداؤه موكول إلى الضمير . . أما الكفر بالآخرة فهو عين الكفر الذي يستحق الويل والثبور .

وقد ذكر بعضهم أن المقصود بالزكاة هنا الإيمان والطهارة من الشرك . وهو محتمل كذلك في مثل هذه الظروف .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

وبخل بمالِه فلم يعط الفقراء والمحتاجين قليلا منه .

{ وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ }

وينكرون البعثَ والجزاء . ونرى أن منع الزكاة مقرونٌ بالكفر لأن أحبَّ شيء إلى الإنسان هو المال ، وهو شقيق الروح ، ولذلك شدّد الله تعالى في هذا الموضوع وأمَرَ بالبذل والعطاء .

والزكاة كانت معروفة قبل الهجرة ، وهذه الآية مكية ، ولم تكن محدَّدة ، وإنما فُرضت وحُددت في المدينة في السنة الثانية من الهجرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

ولما كان العبد ، -ولو حرص على الاستقامة- لا بد أن يحصل منه خلل بتقصير بمأمور ، أو ارتكاب منهي ، أمره بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال : { وَاسْتَغْفِرُوهُ } ثم توَّعد من ترك الاستقامة فقال : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الذين لا يؤتون الزكاة } أي : الذين عبدوا من دونه من لا يملك نفعًا ولا ضرًا ، ولا موتًا ، ولا حياة ، ولا نشورًا ودنسوا أنفسهم ، فلم يزكوها بتوحيد ربهم والإخلاص له ، ولم يصلوا ولا زكوا ، فلا إخلاص للخالق بالتوحيد والصلاة ، ولا نفع للخلق بالزكاة وغيرها . { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هم كَافِرُونَ } أى : لا يؤمنون بالبعث ، ولا بالجنة والنار ، فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم ، أقدموا على ما أقدموا عليه ، مما يضرهم في الآخرة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{الذين لا يؤتون الزكاة}، يعني لا يعطون الصدقة، ولا يطعمون الطعام، {وهم بالآخرة}، يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، {هم كافرون} بها بأنها غير كائنة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المعرضين عن آيات الله من قومك: أيها القوم، ما أنا إلا بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة لست بمَلك "يُوحَى إليّ "يوحي الله إليّ أن لا معبود لكم تصلح عبادته إلا معبود واحد، "فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ" يقول: فاستقيموا إليه بالطاعة، ووجهوا إليه وجوهكم بالرغبة والعبادة دون الآلهة والأوثان، "وَاسْتَغْفِرُوهُ" يقول: وسلوه العفو لكم عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم، يتب عليكم ويغفر لكم.

وقوله: "وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُؤتَونَ الزّكاةَ وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ" يقول تعالى ذكره: وصديد أهل النار، وما يسيل منهم للمدعين لله شريكا العابدين الأوثان دونه الذين لا يؤتون الزكاة. اختلف أهل التأويل في ذلك؛ فقال بعضهم: معناه: الذين لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم، وتزَكّي أبدانهم، ولا يوحدونه وذلك قول يُذكر عن ابن عباس... عن ابن عباس، قوله: "وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُؤتُونَ الزّكاةَ" قال: هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذين لا يقرّون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها، ولا يعطونها أهلها. وقد ذكرنا أيضا قائلي ذلك قبلُ...

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: معناه: لا يؤدّون زكاة أموالهم وذلك أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة، وأن في قوله: "وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ" دليلاً على أن ذلك كذلك، لأن الكفار الذين عنوا بهذه الآية كانوا لا يشهدون أن لا إله إلا الله، فلو كان قوله: "الّذِينَ لا يُؤتُونَ الزّكاةَ" مرادا به الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله لم يكن لقوله: "وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ" معنى، لأنه معلوم أن من لا يشهد أن لا إله إلا الله لا يؤمن بالآخرة، وفي اتباع الله قوله: "وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ" قوله: "الّذِينَ لا يُؤتُونَ الزّكاةَ" ما ينبئ عن أن الزكاة في هذا الموضع معنيّ بها زكاة الأموال.

وقوله: "وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ" يقول: وهم بقيام الساعة، وبعث الله خلقه أحياء من قبورهم، من بعد بلائهم وفنائهم منكرون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} الذين لا يؤمنون بإيتاء الزكاة ولا يؤمنون بالآخرة، وخصّهم بذكر جحود الزكاة لما كان سبب كفرهم مختلفا: منهم من كان سبب كفره بخله في المال وشُحّه، حمله ذلك على إنكار الزكاة والامتناع عن الإتيان.

ومنهم من كان كفره إنكار جزاء الأعمال، حمله ذلك على إنكار الآخرة.

ومنهم من كان سبب كفره الخضوع لمن دونه أو مثله في أمر الدنيا، حمله ذلك على إنكار الرسالة والجحود لها، وغير ذلك من الأسباب التي حملتهم على الكفر والضلالة وهي مختلفة. ويحتمل قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} على زكاة الأموال ولكن على زكاة الأنفس، كأنه يقول: وويل للمشركين الذين لا يعملون، ولا يسعون في ما به تزكو أنفسهم، ويشرُف ذكرها، وتصلح أعمالهم به، ولا يُجزَون به في الآخرة، أي ويل لمن لا يعمل ذلك.

وهذان الوجهان جواب عمن تعلّق بظاهر هذه الآية. على أن الكفار يخاطبون بالشرائع حين أُلحق الوعيد بهم بترك إيتاء الزكاة، والزكاة من الشرائع، والله أعلم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: لم خصّ من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة، قلت: لأن أحبّ شيء إلى الإنسان ماله وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته. ألا ترى إلى قوله عزّ وجلّ: {وَمَثَلُ الذين يُنفِقُونَ أموالهم ابتغاء مَرْضَاتِ الله وَتَثْبِيتًا مّنْ أَنفُسِهِمْ} [البقرة: 265] أي: يثبتون أنفسهم ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا فقرّت عصبيتهم ولانت شكيمتهم وأهل الردّة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلاّ بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحرب، وجوهدوا. وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة، وتخويف شديد من منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرن بالكفر بالآخرة. وقيل: كانت قريش يطعمون الحاج، ويحرمون من آمن منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: لا يفعلون ما يكونون به أزكياء، وهو الإيمان...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وجه النظم في هذه الآية من وجوه؛

الأول: أن العقول والشرائع ناطقة بأن خلاصة السعادات مربوطة بأمرين: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله؛ وذلك لأن الموجودات، إما الخالق وإما الخلق، فأما الخالق فكمال السعادة في المعاملة معه أن يقر بكونه موصوفا بصفات الجلال والعظمة. ثم يأتي بأفعال دالة على كونه في نهاية العظمة في اعتقادنا وهذا هو المراد من التعظيم لأمر الله، وأما الخلق فكمال السعادة في المعاملة معهم أن يسعى في دفع الشر عنهم وفي إيصال الخير إليهم، وذلك هو المراد من الشفقة على خلق الله.

وإذا كان التوحيد أعلى المراتب وأشرفها كان ضده وهو الشرك أخس المراتب وأرذلها ولما كان أفضل أنواع المعاملة مع الخلق هو إظهار الشفقة عليهم كان الامتناع من الزكاة أخس الأعمال؛ لأنه ضد الشفقة على خلق الله.

إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى أثبت الويل لمن كان موصوفا بصفات ثلاثة؛

أولها: أن يكون مشركا وهو ضد التوحيد. وإليه الإشارة بقوله {وويل للمشركين}. وثانيها: كونه ممتنعا من الزكاة وهو ضد الشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله {الذين لا يؤتون الزكواة}.

وثالثها: كونه منكرا للقيامة مستغرقا في طلب الدنيا ولذاتها، وإليه الإشارة بقوله {وهم بالآخرة هم كافرون}.

وتمام الكلام في أنه لا زيادة على هذه المراتب الثلاثة أن الإنسان له ثلاثة أيام: الأمس واليوم والغد. أما معرفة أنه كيف كانت أحوال الأمس في الأزل فهو بمعرفة الله تعالى الأزلي الخالق لهذا العالم. وأما معرفة أنه كيف ينبغي وقوع الأحوال في اليوم الحاضر فهو بالإحسان إلى أهل العالم بقدر الطاقة، وأما معرفة الأحوال في اليوم المستقبل فهو الإقرار بالبعث والقيامة، وإذا كان الإنسان على ضد الحق في هذه المراتب الثلاثة كان في نهاية الجهل والضلال، فلهذا حكم الله عليه بالويل، فقال: {وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكواة وهم بالآخرة هم كافرون} وهذا ترتيب في غاية الحسن، والله أعلم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

معنى الشرك الحكم بأن ما لا شيء له أصلاً وما لا يمكن أن يكون له ملك تام على شيء أصلاً قد شارك من له الكل خلقاً وتصرفاً فيما هو عليه من الملك التام الذي لا شوب فيه.

الزكاة إشراك من له ملك غير تام لمثله في جزء يسير من ماله.

وقد قال ذاماً لمن أبى أن يشارك الخلائق وأشرك بالخالق: {الذين لا يؤتون} أي أمثالهم من أولاد آدم {الزكاة} من المال الذي لا صنع لهم في خلقه، فهو مخلف عن أبيهم آدم، فالقياس يقتضي اشتراكهم كلهم فيه على حد سواء، ولكنا رحمناهم بتخصيص كل واحد منهم بما ملكت يمينه منه بطريقه، فقد حكموا في أمر ربهم بما لا يرضونه لأنفسهم، فإنهم أبوا أن يشركوا ببذل الزكاة بعض إخوانهم في بعض مالهم الذي ملكهم له ضعيف، وأشركوا ما لا يملك شيئاً أصلاً بما لا نفع فيه مع المالك المطلق.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن أقصى ما كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يؤمر به في مقابلة التبجح والاستهتار أن يقول:

(وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)..

وتخصيص الزكاة في هذا الموضع لا بد كانت له مناسبة حاضرة، لم نقف عليها، فهذه الآية مكية والزكاة لم تفرض إلا في السنة الثانية من الهجرة في المدينة. وإن كان أصل الزكاة كان معروفاً في مكة، والذي جد في المدينة هو بيان أنصبتها في المال، وتحصيلها كفريضة معينة. أما في مكة فقد كانت أمراً عاماً يتطوع به المتطوعون، غير محدود، وأداؤه موكول إلى الضمير.

وقد ذكر بعضهم أن المقصود بالزكاة هنا الإيمان والطهارة من الشرك. وهو محتمل كذلك في مثل هذه الظروف.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ويعلم من هذا أن مانع الزكاة من المسلمين له حظ من الويل الذي استحقه المشركون لمنعهم الزكاة في ضمن شركهم، ولذلك رأى أبو بكر قتال مانعي الزكاة ممن لم يرتدوا عن الإسلام ومنَعوا الزكاة مع المرتدين، ووافقه جميع أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم ف {الزكاة} في الآية هي الصدقة لوقوعها مفعول {يؤتون}.

وتقديم {بِالآخِرَة} على متعلقه وهو {كافرون} لإِفادة الاهتمام.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

" وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة " قال ابن عباس : الذين لا يشهدون " أن لا إله إلا الله " وهي زكاة الأنفس . وقال قتادة : لا يقرون بالزكاة أنها واجبة . وقال الضحاك ومقاتل : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة . قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء ، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفر مع منع وجوب الزكاة عليه . وقال الفراء وغيره : كان المشركون ينفقون النفقات ، ويسقون الحجيج ويطعمونهم ، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فيهم هذه الآية . " وهم بالآخرة هم كافرون " فلهذا لا ينفقون في الطاعة ولا يستقيمون ولا يستغفرون . الزمخشري : فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة ؟ قلت : لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته{[13413]} ألا ترى إلى قوله عز وجل : " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم " [ البقرة : 265 ] أي يثبتون أنفسهم ، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال ، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة{[13414]} من الدنيا ، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم ، وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة ، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا . وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة ، وتخويف شديد من منعها ، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين ، وقُرِنَ بالكفر بالآخرة .


[13413]:الزيادة من تفسير الزمخشري.
[13414]:اللمظة في اللغة: النكتة من بياض أو سواد، والمراد بها الشيء اليسير من حطام الدنيا.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

ولما كانت العقول والشرائع ناطقة بأن خلاصة السعادة في أمرين : التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله ، وكان أفضل أبواب التعظيم لأمر الله الإقرار بوحدانيته ، فكان أخس الأعمال التي بين العبد وربه الإخلال بذلك ، وكان أخس الأعمال التي بين العبد وبين الخلق منع ما أوجبه الله من الزكاة ، وكان معنى الشرك الحكم بأن ما لا شيء له أصلاً وما لا يمكن أن يكون له ملك تام على شيء أصلاً قد شارك من له الكل خلقاً وتصرفاً فيما هو عليه من الملك التام الذي لا شوب فيه ، وكانت الزكاة إشراك من له ملك غير تام لمثله في جزء يسير من ماله . قال ذاماً لمن أبى أن يشارك الخلائق وأشرك بالخالق : { الذين لا يؤتون } أي أمثالهم من أولاد آدم { الزكاة } من المال الذي لا صنع لهم في خلقه ، فهو مخلف عن أبيهم آدم ، فالقياس يقتضي اشتراكهم كلهم فيه على حد سواء ، ولكنا رحمناهم بتخصيص كل واحد منهم بما ملكت يمينه منه بطريقه ، فقد حكموا في أمر ربهم بما لا يرضونه لأنفسهم ، فإنهم أبوا أن يشركوا ببذل الزكاة بعض أخوانهم في بعض مالهم الذي ملكهم له ضعيف ، وأشركوا ما لا يملك شيئاً أصلاً بما لا نفع فيه مع المالك المطلق .

ولما كان مما تضمنه إشراكهم وإنكارهم البعث أنهم أداهم شحهم إلى استغراقهم في الدنيا والإقبال بكلياتهم على لذاتها ، فأنكروا الآخرة ، فصار محط حالهم أنهم أثبتوا لمن لا فعل له أصلاً فعلاً لا يمكنه تعاطيه بوجه ، ونفوا عن الفاعل المختار الذي هم لأفعاله الهائلة في كل وقت يشاهدون ، وإليه في منافعهم ومضارهم يقصدون ، ما أثبت لنفسه من فعله ، فقال مؤكداً تنبيهاً على أن إنكارهم هذا مما لا يكاد يصدق : { وهم بالآخرة } أي الحياة التي بعد هذه ولا بعد لها { هم } أي بخاصة من بين أهل الملل { كافرون * } فاختصموا بإنكار شيء لم يوافقهم عليه أحد في حق من يشاهدون في كل وقت من أفعاله أكثر من ذلك ، وأثبتوا لمن لم يشاهدوا له فعلاً قط ما لا يمكنه فعله أصلاً ، وهم يدعون العقول الصحيحة والآراء المتينة ورضوا لأنفسهم بالدناءة في منع الزكاة وحكموا بأعظم منها على الله وهم يدعون مكارم الأخلاق ومعالي الهمم ، فأقبح بهذه عقولاً وأسفل بها همماً فقد تضمنت الآية أن الويل لمن اتصف بصفات ثلاث : الشرك الذي هو ضد التعظيم لأمر الله ، والامتناع من الزكاة الذي هو ضد الشفقة على خلق الله وإنكار القيامة المؤدي إلى الاستغراق فيما أبغض الله من طلب الدنيا ولذاتها وهو من الاستهانة بأمر الله ، قال الأصبهاني : وتمام الكلام في أنه لا زيادة على هذه المراتب الثلاثة أن الإنسان له ثلاثة أيام : أمس واليوم والغد ، فمعرفة أنه كيف كانت أحواله بالأمس في الأزل هو بمعرفة الخالق لهذا العالم ، ومعرفة كيف ينبغي وقوع الأحوال في اليوم الحاضر هو بالإحسان إلى أهل العلم بقدر الطاقة ، ومعرفة الأحوال في اليوم المستقبل بالإقرار بالبعث والقيامة ، فإذا كان الإنسان على ضد الحق في هذه المراتب الثلاثة كان في نهاية الجهل والضلال .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

قوله : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ( 6 ) الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } . ذلك تهديد ووعيد من الله للمشركين المكذبين الذين لا يقرون بوجوب الزكاة في أحوالهم . وهذه خسيسة من خسائس الكافرين في كل زمان ؛ إذ يعظِّمون المال أشد تعظيم ولا يعبئون بغير جمعه وتكثيره والاستئثار به ليحرم من المحاويج والمساكين . فم بذلك أشحة مناكيد يبخلون عن بذل المال في وجوه الخير وفي دفع غوائل الفقراء والمعوزين لفرط حبهم للمال والمتاع والشهوات { وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } المشركون سادرون في غفلتهم وضلالهم ، لاهون عن ذكر الآخرة ؛ لأنهم مشغولون بحطام الدنيا وزينتها فلا يعبئون بأخبار الآخرة ولا يوقنون بها .