في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ} (25)

( فقالوا : أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذن لفي ضلال وسعر . أألقي الذكر عليه من بيننا ? بل هو كذاب أشر . . )

وهي الشبهة المكرورة التي تحيك في صدور المكذبين جيلا بعد جيل : ( أألقي الذكر عليه من بيننا )? كما أنها هي الكبرياء الجوفاء التي لا تنظر إلى حقيقة الدعوة ، إنما تنظر إلى شخص الداعية : ( أبشرا منا واحدا نتبعه ? ) !

وماذا في أن يختار الله واحدا من عباده . . والله أعلم حيث يجعل رسالته . . فيلقي عليه الذكر - أي الوحي وما يحمله من توجيهات للتذكر والتدبر - ماذا في هذا الاختيار لعبد من عباده يعلم منه تهيؤه واستعداده . وهو خالق الخلق . وهو منزل الذكر ? إنها شبهة واهية لا تقوم إلا في النفوس المنحرفة . النفوس التي لا تريد أن تنظر في الدعوى لترى مقدار ما فيها من الحق والصدق ؛ ولكن إلى الداعية فتستكبر عن اتباع فرد من البشر ، مخافة أن يكون في اتباعها له إيثار وله تعظيم . وهي تستكبر عن الإذعان والتسليم .

ومن ثم يقولون لأنفسهم : أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذا لفي ضلال وسعر . . أي لو وقع منا هذا الأمر المستنكر ! وأعجب شيء أن يصفوا أنفسهم بالضلال لو اتبعوا الهدى ! وأن يحسبوا أنفسهم في سعر - لا في سعير واحد - إذا هم فاءوا إلى ظلال الإيمان !

ومن ثم يتهمون رسولهم الذي اختاره الله ليقودهم في طريق الحق والقصد . يتهمونه بالكذب والطمع : ( بل هو كذاب أشر ) . . كذاب لم يلق عليه الذكر . أشر : شديد الطمع في اختصاص نفسه بالمكانة ! وهو الاتهام الذي يواجه به كل داعية . اتهامه بأنه يتخذ الدعوة ستارا لتحقيق مآرب ومصالح . وهي دعوى المطموسين الذين لا يدركون دوافع النفوس ومحركات القلوب .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ} (25)

كذّاب أشِر : شديد البطر ، متعاظم .

ثم شتموه بأنه كذاب أشِر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ} (25)

{ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا } أي : كيف يخصه الله من بيننا وينزل عليه الذكر ؟ فأي مزية خصه من بيننا ؟ وهذا اعتراض من المكذبين على الله ، لم يزالوا يدلون به ، ويصولون ويجولون ويردون به دعوة الرسل ، وقد أجاب الله عن هذه الشبهة بقول الرسل لأممهم : { قالت رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده } فالرسل من الله عليهم بصفات وأخلاق وكمالات ، بها صلحوا لرسالات ربهم والاختصاص بوحيه ،

ومن رحمته وحكمته أن كانوا من البشر ، فلو كانوا من الملائكة لم يمكن البشر ، أن يتلقوا عنهم ، ولو جعلهم من الملائكة لعاجل الله المكذبين لهم بالعقاب العاجل .

والمقصود بهذا الكلام الصادر من ثمود لنبيهم صالح ، تكذيبه ، ولهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر ، فقالوا : { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أي : كثير الكذب والشر ،

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ} (25)

قوله تعالى : " أألقي الذكر عليه من بيننا " أي خصص بالرسالة من بين آل ثمود وفيهم من هو أكثر مالا وأحسن حالا ؟ ! وهو استفهام معناه الإنكار . " بل هو كذاب أشر " أي ليس كما يدعيه وإنما يريد أن يتعاظم ويلتمس التكبر علينا من غير استحقاق . والأشر المرح والتجبر والنشاط . يقال : فرس أشر إذا كان مرحا نشيطا قال امرؤ القيس يصف كلبا :

فيدركنا فَغِمٌ داجن *** سميع بصير طُلُوبٌ نَكِرْ{[14482]}

أَلَصُّ الضُّرُوسِ حَنِيُّ الضلوع *** تَبُوعٌ أرِيبٌ نَشِيطٌ أَشِرْ{[14483]}

وقيل : " أشر " بطر . والأشر البطر ، قال الشاعر :

أَشِرْتُم بلُبْسِ الخَزِّ لما لَبِسْتُم *** ومن قبل ما تدرون مَنْ فَتَحَ القُرَى

وقد أشر بالكسر يأشر أشرا فهو أشر وأشران ، وقوم أُشَارى مثل سكران وسكارى ، قال الشاعر{[14484]} :

وَخَلَّتْ وُعُولاً أُشَارَى بها *** وقد أَزْهَفَ الطعنُ أبطالَها

وقيل : إنه المتعدي إلى منزلة لا يستحقها ، والمعنى واحد . وقال ابن زيد وعبدالرحمن بن حماد : الأشر الذي لا يبالي ما قال . وقرأ أبو جعفر وأبو قلابة " أشر " بفتح الشين وتشديد الراء يعني به : أشرنا وأخبثنا .


[14482]:الفغم: المولع بالصيد الحريص عليه. داجن: ألوف للصيد. ونكر أي منكر عالم. وقيل نكر أي كريه الصورة.
[14483]:الألص الذي التصقت أسنانه بعضها إلى بعض.
[14484]:هي مية بنت ضرار الضبي ترثي أخاها. وأزهف الطعن أبطالها أي صرعها. وقبل البيت: تراه على الخيل ذا قدمة *** إذا سربل الدم أكفالها
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ} (25)

قوله : { أألقي الذكر عليه من بيننا } الاستفهام للإنكار . أي اختصه الله بالرسالة والوحي من بين آل ثمود وفيهم من هو خير منه مالا وحسبا وشرفا .

قوله : { بل هو كذاب أشر } الأشر معناه البطر {[4406]} وبل للإضراب عن كون صالح نبيا صادقا أرسله الله إليهم ، وإنما هو كذاب بطر ، حمله بطره أن يطلب التعظم علينا والتكبر من غير استحقاق لذلك .


[4406]:القاموس المحيط جـ 1 ص 377.