في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

78

الدرس الثالث : 82 - 85 لفت أنظار الكفار للإعتبارمن مصارع السابقين

وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع القوي الأخير :

( أفلم يسيروا في الأرض ، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ? كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض ، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون . فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . فلما رأوا بأسنا قالوا : آمنا بالله وحده ، وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا . سنة الله التي قد خلت في عباده . وخسر هنالك الكافرون ) .

ومصارع الغابرين كثيرة في تاريخ البشرية ؛ وبعضها ما تزال له آثار تحكي قصته ؛ وبعضها حفظته الروايات على الألسنة ، أو حفظته الأوراق والكتب . والقرآن كثيراً ما يوجه القلوب إليها ، لما فيها من دلالة على حقائق ثابتة في خط سير البشرية ؛ ولما لها كذلك من أثر في النفس الإنسانية عميق عنيف . والقرآن يخاطب الفطرة بما يعلمه منزل هذا القرآن من حقيقة الفطرة ، ومساربها ومداخلها ، وأبوابها التي تطرق فتفتح ، بعضها بعد نقرة خفيفة وبعضها بعد طرقات كثيرة إن كان قد ران عليها الركام !

وهنا يسألهم وينشطهم للسير في الأرض ، بعين مفتوحة ، وحس متوفز ، وقلب بصير لينظروا ويتدبروا ما كان في الأرض قبلهم ؛ وما يتعرضون هم لجريانه عليهم :

( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ? ) . .

وقبل أن يذكر كيف كان هذه العاقبة ، يصف حال الذين من قبلهم ، ويقرن إليها حالهم هم لتتم الموازنة ، وتتم العبرة :

( كانوا أكثر منهم ، وأشد قوة وآثاراً في الأرض ) . .

توافرت لهم الكثرة والقوة والعمران . ومن هؤلاء أجيال وأمم كانت قبل العرب ، قص الله على رسوله بعضها ، ولم يقصص عليه بعضها . ومنهم من كان العرب يعرفون قصته ويمرون بآثاره . .

( فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) . .

ولم تعصمهم قوة ولا كثرة ولا عمارة ، مما كانوا يعتزون به ويغترون . بل كان هذا هو أصل شقائهم ، وسبب هلاكهم :

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

تقدم هذا المعنى في أكثر من آية في سورة يوسف والحج والروم . فلو أنهم اعتبروا بما رأوا من آثار الأمم السابقة واتّعظوا بها لأغناهم ذلك عن جحودهم وكفرهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

يحث تعالى ، المكذبين لرسولهم ، على السير في الأرض ، بأبدانهم ، وقلوبهم : وسؤال العالمين . { فَيَنْظُرُوا } نظر فكر واستدلال ، لا نظر غفلة وإهمال .

{ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } من الأمم السالفة ، كعاد ، وثمود وغيرهم ، ممن كانوا أعظم منهم قوة وأكثر أموالاً وأشد آثارًا في الأرض من الأبنية الحصينة ، والغراس الأنيقة ، والزروع الكثيرة { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } حين جاءهم أمر الله ، فلم تغن عنهم قوتهم ، ولا افتدوا بأموالهم ، ولا تحصنوا بحصونهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

قوله تعالى : " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم " حتى يشاهدوا آثار الأمم السالفة " كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض " كانوا أكثر منهم عددا وقوة " فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " من الأبنية والأموال وما أدالوا به من الأولاد والأتباع ، يقال : دلوت بفلان ، إليك أي استشفعت به إليك . وعلى هذا " ما " للجحد أي : فلم يغن عنهم ذلك شيئا . وقيل : " ما " للاستفهام أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا ولم ينصرف " أكثر " ؛ لأنه على وزن أفعل . وزعم الكوفيون أن كل ما لا ينصرف فإنه يجوز أن ينصرف إلا أفعل من كذا فإنه لا يجوز صرفه بوجه في شعر ولا غيره إذا كانت معه من . قال أبو العباس : ولو كانت من المانعة من صرفه لوجب ألا يقال : مررت بخير منك وشر [ منك و ]{[13407]} من عمرو .


[13407]:الزيادة من إعراب القرآن للنحاس.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

ولما وصل الأمر إلى حد من الوضوح لا يخفى على أحد ، تسبب عنه لفت الخطاب عنهم دلالة على الغضب الموجب للعقاب المقتضي للرهب فقال : { أفلم يسيروا } أي هؤلاء الذين هم أضل من الأنعام { في الأرض } أيّ أرض كانت ، سير اعتبار { فينظروا } نظر ادكار فيما سلكوه من سبلها ونواحيها ، ونبه على زيادة العظمة فيما حثهم على النظر فيه بسوقه مساق الاستفهام تنبيهاً على خروجه عن أمثاله ، ومباينته لأشكاله ، بقوله : { كيف كان عاقبة } أي آخر أمر { الذين } ولما كانوا لا يقدرون على استغراق نظر جميع الأرض وآثار جميع أهلها ، نبه بالجار على ما تيسر فقال تعالى : { من قبلهم } أي مع قرب الزمان والمكان ، ولما كانوا معتمدين في مغالبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومجادلته بالباطل في الآيات الظاهرة على كثرتهم وقوتهم وقلة أصحابه مع ضعفهم ، وكان قد تقدم الإنكار عليهم في المجادلة لإدحاض الحق ، وعظم النكير عليهم بعدم النظر عن المسير في الأرض بأعين الاعتبار في الآثار ، من المساكن والديار ، لمن مضى من الأشرار ، وأثبت لهم الأشدية وأنها لم تغن عنهم ، وذكر فرعون وما كان له من المكنة بالمال والرجال ، وأنه أخذه أخذة صارت مثلاً من الأمثال ، وكان قد بقي مما قد يتعلل به في المبالغة الكثرة ، ذكرها مضمومة إلى الشدة تأكيداً لمضمون الخبر في أنه لا أمر لأحد مع أمره ، فقال مستأنفاً جواباً لمن يقول : ما كانت عاقبتهم ؟ فقال : { كانوا أكثر منهم } أي عدداً أضعافاً مضاعفة ولا سيما قوم نوح عليه الصلاة والسلام : { وأشد قوة } في الأبدان كقوم هود عليه الصلاة والسلام الذين قالوا كما يأتي في التي بعدها{ من أشد منا قوة }[ فصلت : 15 ] { وآثاراً في الأرض } بنحت البيوت في الجبال ، وحفر الآبار ، وإنباط المياه ، وبناء المصانع الجليلة - وغير ذلك مما كانوا عليه .

ولما كان التقدير : فنظروا فأهلكهم الله ، سبب عن كثرتهم وشدتهم في قوتهم قوله نافياً صريحاً ، أو يكون استفهاماً إنكارياً { فما } أي أيّ شيء { أغنى عنهم } أو لم يغن عنهم شيئاً من الغنى { ما كانوا } أي دائماً كما في جبلاتهم من دواعيه { يكسبون * } بقوة أبدانهم وعظم عقولهم واحتيالهم وما رتبوا من المصانع لنجاتهم حين جاءهم أمرنا بل كانوا كأمس الذاهب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 82 ) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 83 ) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ( 84 ) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } .

ذلك توبيخ وتعنيف لهؤلاء المشركين المكذبين الذين كانوا يخاصمون في دين الله بالباطل وكانوا يكذبون بيوم القيامة ، فيقول الله لهم : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }

يعني أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يحادون في آيات الله من مشركي قومك – في البلاد ، فهم أهل سفر وتجارات وتجوال { فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي فيروا ما حل بالجاحدين من سوء العاقبة حيث البلاء والنكال بسبب كفرهم وتكذيبهم ، مع أنهم { كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ } كان المشركون الأقدمون أكثر من هؤلاء عددا وتنفيرا وكانوا أعظم منهم بأسا وقوة في الأجساد والأموال وقد أثاروا الأرض وعمروها ؛ إذْ شادوا فيها المصانع والعمائر والبنيان { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } { مَّا } ، نافية ؛ أي لم يغن عنهم ما اكتسبوه شيئا ولا دفع عنهم من بأس الله وانتقامه مثقال ذرة . وقد تكون { مَّا } استفهامية . فيكون المعنى : ماذا أغنى عنهم ما كسبوه من الأموال والخيرات والعمران والقوة حين نزل بهم الهلاك ؟ !