ولكنه تعالى حليم ، يمهل العباد ويستأني بهم ، لعلهم يتوبون ويرجعون ، ولهذا قال : { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ } أي : اصفح عنهم ما يأتيك من أذيتهم القولية والفعلية ، واعف عنهم ، ولا يبدر منك لهم إلا السلام الذي يقابل به أولو الألباب والبصائر الجاهلين ، كما قال تعالى عن عباده الصالحين : { وإذا خاطبهم الجاهلون } أي : خطابا بمقتضى جهلهم { قالوا سلاما } فامتثل صلى اللّه عليه وسلم ، لأمر ربه ، وتلقى ما يصدر إليه من قومه وغيرهم من الأذى ، بالعفو والصفح ، ولم يقابلهم عليه إلا بالإحسان إليهم والخطاب الجميل .
فصلوات اللّه وسلامه على من خصه اللّه بالخلق العظيم ، الذي فضل به أهل الأرض والسماء ، وارتفع به أعلى من كواكب الجوزاء .
وقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } أي : غِبَّ ذنوبهم ، وعاقبة جرمهم .
قال قتادة : أمر بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم ، فصار الصفح منسوخا بالسيف . ونحوه عن ابن عباس قال : " فاصفح عنهم " أعرض عنهم . " وقل سلام " أي معروفا ، أي قل المشركين أهل مكة " فسوف تعلمون " ثم نسخ هذا في سورة " التوبة " بقوله تعالى : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " {[13710]} [ التوبة : 5 ] الآية . وقيل : هي محكمة لم تنسخ . وقراءة العامة " فسوف يعملون " ( بالباء ) على أنه خبر من الله تعالى لنبيه بالتهديد . وقرأ نافع وابن عامر " تعلمون " ( بالتاء ) على أنه من خطاب النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بالتهديد . و " سلام " رفع بإضمار عليكم . قاله الفراء . ومعناه الأمر بتوديعهم بالسلام ، ولم يجعله تحية لهم . حكاه النقاش . وروى شعيب بن الحبحاب أنه عرفه بذلك كيف السلام عليهم ، والله أعلم .
ولما كان هذا قولاً دالاً على غاية ما يكون من بلوغ الجهد ، تسبب عنه ما يسره بإيمانهم وبلوغهم الرتب العالية التي هي نتيجة ما كان مترجى لهم أول السورة ، وذلك كله ببركته صلى الله عليه وسلم في سياق ظاهره التهديد وباطنه - بالنسبة إلى علمه - البشارة بالتشديد فقال : { فاصفح عنهم } أي اعف عمن أعرض منهم صفحاً فلا تلتفت إليهم بغير التبليغ { وقل } أي لهم : { سلام } أي شأني الآن متاركتكم بسلامتكم مني وسلامتي منكم { فسوف يعلمون } بوعد لا خلف فيه ، فهذا ظاهره تهديد كبير ، وقراءة المدنيين وابن عامر بالخطاب أشد تهديداً ، وباطنه من التعبير بالصفح عنهم والسلام بشارة بأنهم يصيرون علماء فيفوقون الأمم في العلم بعد أن يفوقهم في العقل - بما أفهمه أول السورة - فيعلون الأمم في المشي على مناهيج العقل ، فللّه دره من آخر عانق الأول ، ومقطع رد إلى المطلع تنزل ، يا ناظم اللآلئ ! أين تذهب عن هذا البناء العالي ، وتغفل عن هذا الجوهر الرخص الغالي ، وتضل عن هذا الضياء اللامع المتلألىء ، ثم أعلاه فأنزله ، وأغلاه بدر المعاني وفضله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.