الدرس الثالث : 82 - 85 لفت أنظار الكفار للإعتبارمن مصارع السابقين
وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع القوي الأخير :
( أفلم يسيروا في الأرض ، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ? كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض ، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون . فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . فلما رأوا بأسنا قالوا : آمنا بالله وحده ، وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا . سنة الله التي قد خلت في عباده . وخسر هنالك الكافرون ) .
ومصارع الغابرين كثيرة في تاريخ البشرية ؛ وبعضها ما تزال له آثار تحكي قصته ؛ وبعضها حفظته الروايات على الألسنة ، أو حفظته الأوراق والكتب . والقرآن كثيراً ما يوجه القلوب إليها ، لما فيها من دلالة على حقائق ثابتة في خط سير البشرية ؛ ولما لها كذلك من أثر في النفس الإنسانية عميق عنيف . والقرآن يخاطب الفطرة بما يعلمه منزل هذا القرآن من حقيقة الفطرة ، ومساربها ومداخلها ، وأبوابها التي تطرق فتفتح ، بعضها بعد نقرة خفيفة وبعضها بعد طرقات كثيرة إن كان قد ران عليها الركام !
وهنا يسألهم وينشطهم للسير في الأرض ، بعين مفتوحة ، وحس متوفز ، وقلب بصير لينظروا ويتدبروا ما كان في الأرض قبلهم ؛ وما يتعرضون هم لجريانه عليهم :
( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ? ) . .
وقبل أن يذكر كيف كان هذه العاقبة ، يصف حال الذين من قبلهم ، ويقرن إليها حالهم هم لتتم الموازنة ، وتتم العبرة :
( كانوا أكثر منهم ، وأشد قوة وآثاراً في الأرض ) . .
توافرت لهم الكثرة والقوة والعمران . ومن هؤلاء أجيال وأمم كانت قبل العرب ، قص الله على رسوله بعضها ، ولم يقصص عليه بعضها . ومنهم من كان العرب يعرفون قصته ويمرون بآثاره . .
( فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) . .
ولم تعصمهم قوة ولا كثرة ولا عمارة ، مما كانوا يعتزون به ويغترون . بل كان هذا هو أصل شقائهم ، وسبب هلاكهم :
قوله تعالى : " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم " حتى يشاهدوا آثار الأمم السالفة " كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض " كانوا أكثر منهم عددا وقوة " فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " من الأبنية والأموال وما أدالوا به من الأولاد والأتباع ، يقال : دلوت بفلان ، إليك أي استشفعت به إليك . وعلى هذا " ما " للجحد أي : فلم يغن عنهم ذلك شيئا . وقيل : " ما " للاستفهام أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا ولم ينصرف " أكثر " ؛ لأنه على وزن أفعل . وزعم الكوفيون أن كل ما لا ينصرف فإنه يجوز أن ينصرف إلا أفعل من كذا فإنه لا يجوز صرفه بوجه في شعر ولا غيره إذا كانت معه من . قال أبو العباس : ولو كانت من المانعة من صرفه لوجب ألا يقال : مررت بخير منك وشر [ منك و ]{[13407]} من عمرو .
قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 82 ) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 83 ) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ( 84 ) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } .
ذلك توبيخ وتعنيف لهؤلاء المشركين المكذبين الذين كانوا يخاصمون في دين الله بالباطل وكانوا يكذبون بيوم القيامة ، فيقول الله لهم : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }
يعني أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يحادون في آيات الله من مشركي قومك – في البلاد ، فهم أهل سفر وتجارات وتجوال { فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي فيروا ما حل بالجاحدين من سوء العاقبة حيث البلاء والنكال بسبب كفرهم وتكذيبهم ، مع أنهم { كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ } كان المشركون الأقدمون أكثر من هؤلاء عددا وتنفيرا وكانوا أعظم منهم بأسا وقوة في الأجساد والأموال وقد أثاروا الأرض وعمروها ؛ إذْ شادوا فيها المصانع والعمائر والبنيان { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } { مَّا } ، نافية ؛ أي لم يغن عنهم ما اكتسبوه شيئا ولا دفع عنهم من بأس الله وانتقامه مثقال ذرة . وقد تكون { مَّا } استفهامية . فيكون المعنى : ماذا أغنى عنهم ما كسبوه من الأموال والخيرات والعمران والقوة حين نزل بهم الهلاك ؟ !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.