عندما تقع هذه الأحداث الهائلة كلها ، في كيان الكون ، وفي أحوال الأحياء والأشياء . عندئذ لا يبقى لدى النفوس شك في حقيقة ما عملت ، وما تزودت به لهذا اليوم ، وما حملت معها للعرض ، وما أحضرت للحساب :
كل نفس تعلم ، في هذا اليوم الهائل ما معها وما لها وما عليها . . تعلم وهذا الهول يحيط بها ويغمرها . . تعلم وهي لا تملك أن تغير شيئا مما أحضرت ، ولا أن تزيد عليه ولا أن تنقص منه . . تعلم وقد انفصلت عن كل ما هو مألوف لها ، معهود في حياتها أو تصورها . وقد انقطعت عن عالمها وانقطع عنها عالمها . وقد تغير كل شيء وتبدل كل شيء ، ولم يبقى إلا وجه الله الكريم ، الذي لا يتحول ولا يتبدل . . فما أولى أن تتجه النفوس إلى وجه الله الكريم ، فتجده - سبحانه - عندما يتحول الكون كله ويتبدل !
وبهذا الإيقاع ينتهي المقطع الأول وقد امتلأ الحس وفاض بمشاهد اليوم الذي يتم فيه هذا الانقلاب .
ما أحضرت : ما قدمته من خير أو شرّ .
عند ذلك تعلم كلُّ نفس ما قدّمت من أعمال ، فيذهب أهلُ النار إلى جهنم والمؤمنون إلى الجنةِ عند ربهم ، { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [ القمر : 55 ] .
والذي يجب علينا أن تعتقدَه أن أعمال العباد تظهر لهم ثابتةً مبيَّنة
لا يرتابون فيها يومَ القيامة . وبعد أن اخترع الإنسان الكمبيوتر والآلات الحاسبة لم يعدْ هناك شيء مستغرَب في نشر الصحف يوم القيامة ، وفيها حسابُ كل إنسان على أدقِّ وجه { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] .
قوله تعالى : " علمت نفس ما أحضرت " يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب " إذا الشمس كورت " وما بعدها . قال عمر رضي الله عنه لهذا أجري الحديث . وروي عن ابن عباس وعمر رضي الله عنهما أنهما قرآها ، فلما بلغا " علمت نفس ما أحضرت " قالا لهذا أجريت القصة ، فالمعنى على هذا : إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء ، علمت نفس ما أحضرت من عملها . وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ما بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه [ وينظر{[15823]} أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ] بين يديه ، فتستقبله النار ، فمن استطاع منكم أن : يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل ) وقال الحسن : " إذ الشمس كورت " وقع على قوله : " علمت نفس ما أحضرت " كما يقال : إذا نفر زيد نفر عمرو . والقول الأول أصح . وقال ابن زيد عن ابن عباس في قوله تعالى : " إذا الشمس كورت " إلى قوله : " وإذا الجنة أزلفت " اثنتا عشرة خصلة : ستة في الدنيا ، وستة في الآخرة ، وقد بينا الستة الأولى بقول أبي بن كعب .
قوله : { علمت نفس ما أحضرت } وهذا جواب لقوله : { إذا الشمس كوّرت } وما بعدها . والمعنى : أن لكل نفس حينئذ ما أحضرت من خير فتصير به إلى الجنة ، أو شر فتصير به إلى النار{[4769]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.