( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه ، فقال : إني رسول رب العالمين . فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ) . .
هنا يعرض حلقة اللقاء الأول بين موسى وفرعون ، في إشارة مقتضبة تمهيداً لاستعراض النقطة الرئيسية المقصودة من القصة في هذا الموضع - وهي تشابه اعتراضات فرعون وقيمه مع اعتراضات مشركي العرب وقيمهم - ويلخص حقيقة رسالة موسى : ( فقال : إني رسول رب العالمين ) . . وهي ذات الحقيقة التي جاء بها كل رسول : أنه( رسول )وأن الذي أرسله هو ( رب العالمين ) . .
قوله تعالى : " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا " لما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه منتقم له من عدوه وأقام الحجة باستشهاد الأنبياء واتفاق الكل على التوحيد أكد ذلك قصة موسى وفرعون ، وما كان من فرعون من التكذيب ، وما نزل به وبقومه من الإغراق والتعذيب : أي أرسلنا موسى بالمعجزات وهي التسع الآيات فكذب ، فجعلت العاقبة الجميلة له ، فكذلك أنت .
ولما كان المترفون مولعين بأن يزدروا من جاءهم بالرد عن أغراضهم الفاسدة بنوع من الازدراء كما قال كفار قريش { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ولا يزالون يردون هذا وأمثاله من الضلال حتى يقهرهم ذو الجلال بما أتتهم به رسله إما بإهلاكهم أو غيره وإن كانوا في غاية القوة ، أورد سبحانه قصة موسى عليه الصلاة والسلام شاهدة على ذلك بما قال فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام من نحو ذلك ومن إهلاكه على قوته وإنجاء بني إسرائيل على ضعفهم ، وتسلية للنبي صلى عليه وسلم وترجية .
ولما كان التقدير : فلقد أرسلنا جميع رسلنا وهم أشرف الخلق بالتوحيد الذي جئت به ، وما كنا في إرسالنا إياهم مراعين لما يريده الأمم من جاه أو مال أو غير ذلك ، فلا وجه للاتكال عليك فيما أرسلناك به من التوحيد وغيره ، ولا لمعاداتك فيه ، عطف عليه أول من أرشد إلى سؤال أتباعهم فقال مؤكداً لأجل ما يعاندون به من إنكار الرسالة ، وأتى بحرف التوقع لما اقتضاه من الأمر بسؤال الرسل عليهم الصلاة والسلام : { ولقد أرسلنا } أي بما ظهر من عظمتنا .
ولما كان الإرسال منه سبحانه ليس على حسب العظمة في الدنيا بما يراه أهلها كما قال هؤلاء { لولا نزل هذا القرآن } - الآية ، قال مناقضاً لهم : { موسى } أي الذي كان فرعون يرى أنه أحق الناس بتعظيمه لأنه رباه وكفله { بآياتنا } أي التي قهر بها عظماء الخلق وجبابرتهم ، فدل ذلك على صحة دعواه وعلى جميع الآيات لتساويها في القدرة وخرق العادة . ولما كان السياق لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم الرسل عن أمر التوحيد ، كانت الآيات كافية ، فلم يذكر السلطان لأنه للقهر والغلبة : { إلى فرعون } أي لأنه طغى وبغى وادعى أنه هو الرب الأعلى ووافقه الضالون : { وملأه } الذين جعلهم آلهة دونه وعبدهم قومهم فلم يقرهم على ذلك لأنا ما رضيناه { فقال } بسبب إرسالنا { إني رسول } وأكد لأجل إنكارهم ما أنكره قومك من الرسالة . ولما كان الإحسان سبباً للإذعان قال : { رب العالمين* } أي مالكهم ومربيهم ومدبرهم .
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 46 ) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ( 47 ) }
ولقد أرسلنا موسى بحججنا إلى فرعون وأشراف قومه ، كما أرسلناك -يا محمد- إلى هؤلاء المشركين من قومك ، فقال لهم موسى : إني رسول رب العالمين ،
قوله تعالى : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملإيه فقال إنّي رسول ربّ العالمين 46 فلمّا جآءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون 47 وما نريهم من آية إلاّ هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلّهم يرجعون 48 وقالوا يآأيّه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون 49 فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون } .
ذلك إخبار من الله عن نبيه وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام ، إذ أرسله الله { إلى فرعون وملإيه } وهم أشراف قومه وكبراؤهم وسادتهم .
أرسله إليهم بالمعجزات الخوارق وهي تسع آيات بينات يستيقنها كل ذي لب وبصر ، ولا ينكرها أو يكذب بها إلا كل جحود عتلّ مستغرق في الضلالة والعتوّ { فقال إني رسول رب العالمين } نبّههم موسى إلى أنه مرسل إليهم من ربه وقد جاءهم بهذه المعجزات الخوارق التي لا يؤتى مثلها إلا نبي مبعوث من رب العالمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.