نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (46)

ولما كان المترفون مولعين بأن يزدروا من جاءهم بالرد عن أغراضهم الفاسدة بنوع من الازدراء كما قال كفار قريش { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ولا يزالون يردون هذا وأمثاله من الضلال حتى يقهرهم ذو الجلال بما أتتهم به رسله إما بإهلاكهم أو غيره وإن كانوا في غاية القوة ، أورد سبحانه قصة موسى عليه الصلاة والسلام شاهدة على ذلك بما قال فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام من نحو ذلك ومن إهلاكه على قوته وإنجاء بني إسرائيل على ضعفهم ، وتسلية للنبي صلى عليه وسلم وترجية .

ولما كان التقدير : فلقد أرسلنا جميع رسلنا وهم أشرف الخلق بالتوحيد الذي جئت به ، وما كنا في إرسالنا إياهم مراعين لما يريده الأمم من جاه أو مال أو غير ذلك ، فلا وجه للاتكال عليك فيما أرسلناك به من التوحيد وغيره ، ولا لمعاداتك فيه ، عطف عليه أول من أرشد إلى سؤال أتباعهم فقال مؤكداً لأجل ما يعاندون به من إنكار الرسالة ، وأتى بحرف التوقع لما اقتضاه من الأمر بسؤال الرسل عليهم الصلاة والسلام : { ولقد أرسلنا } أي بما ظهر من عظمتنا .

ولما كان الإرسال منه سبحانه ليس على حسب العظمة في الدنيا بما يراه أهلها كما قال هؤلاء { لولا نزل هذا القرآن } - الآية ، قال مناقضاً لهم : { موسى } أي الذي كان فرعون يرى أنه أحق الناس بتعظيمه لأنه رباه وكفله { بآياتنا } أي التي قهر بها عظماء الخلق وجبابرتهم ، فدل ذلك على صحة دعواه وعلى جميع الآيات لتساويها في القدرة وخرق العادة . ولما كان السياق لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم الرسل عن أمر التوحيد ، كانت الآيات كافية ، فلم يذكر السلطان لأنه للقهر والغلبة : { إلى فرعون } أي لأنه طغى وبغى وادعى أنه هو الرب الأعلى ووافقه الضالون : { وملأه } الذين جعلهم آلهة دونه وعبدهم قومهم فلم يقرهم على ذلك لأنا ما رضيناه { فقال } بسبب إرسالنا { إني رسول } وأكد لأجل إنكارهم ما أنكره قومك من الرسالة . ولما كان الإحسان سبباً للإذعان قال : { رب العالمين* } أي مالكهم ومربيهم ومدبرهم .